يتسابق الناس خلال هذا الشهر الفضيل ومن خلال مواقع التواصل بتبادل مئات الرسائل إن لم يكن أكثر، وهي تحمل موائد الفضائل والنصائح والوصفات المختلفة والآيات والأحاديث والمحاذير، فيما يخص الشهر وما لا يخصه.
وتعج المساجد بالمصلين ليلاً نهاراً، في الوقت الذي يدوخ فيه رجال الدين والخطباء من كثرة الأسئلة المختلفة والتي تدل فيما تدل على أن بعضنا لا يفقه من دينه إلا اللمم.
هذه إحدى حسنات الشهر، والصور الدالة عليه إن أحسنّا الظن، ولكن إذا فصلنا سوف نتساءل ونقول: هل هذا الحرص على الاستقامة وطاعة الله عز وجل تتأتى فقط في هذا الشهر؟ أم هو خوفٌ من بطلان الصيام لا غير؟ ولماذا لا تكون الشهور جميعها كذلك؟ ولماذا لا نكون نحن جميعًا كما يريدنا الله عز وجل أن نكون؟
شهر رمضان هو المثال العظيم الذي يعلّمنا كيفية الالتزام حتى لا يبطل الصيام، وليتنا نتعلم الالتزام بأوامر الله ونواهيه حتى لا نبطل حياتنا كلها وليس فقط صيامنا أو صلاتنا أو حجّنا.
للأسف ونقولها بمرارة أننا درجنا على فعل بعض الصغائر والكبائر من الذنوب أيضًا حتى صارت مسلّمات نجاهر بها عمدًا أو جهلًا، وهنا فقط نمثل بالغيبة والبهتان والنميمة، هذه “المثلوثة” التي أصبحت لنا طعامًا يوميًا لا يشبعنا سواه، غافلين عن عاقبة ذلك.
أي مجتمع إذًا يمكننا العيش فيه بسلام ومحبة إذا نمت فيه مثل هذه الكبائر حسب رأي الشارع المقدس؟ كيف نستطيع أن نثق ببعضنا، إذا صرنا نجاهر بالسوء وجهًا لوجه، فضلًا عما يقال ويحاك خفية.
وعلى ماذا؟ على ماذا؟ على نجاح هنا، أو تفوّق هناك، أو فوز بمنصب اجتماعي هنا أو رياضي هناك، أو وظيفة مرموقة أو مسابقة رياضية، أو أن الله تعالى تفضّل على ذلك العبد من الناس فصار له مكانة اجتماعية أو ثقافية أو علمية مرموقة. وخلافها،
فلماذ الحقد أو الحسد؟ أو التجاهل والقطيعة، ولماذا محاولة التقليل من جدارة فلان أو استحقاق علّان، وهو ابن بلدكم أو ديرتكم أو ربما يكون جارًا أو قريبًا أو صديقًا أيضًا، كل ذلك بسبب أنه حقق ما يعجز عن تحقيقه ذلك المغتاب المسكين.
لنتعلم من دروس شهر رمضان فهي كثيرة. ولنصم صيامًا تامًا، وليس فقط عن الشراب والطعام، بل عن كل ما يبطل ويجرح ويخدش الصيام من قول وفعل.
ولنطبق ذلك كما أسلفنا في حياتنا كلها وخاصة ما له علاقة بالناس مباشرة، لأنه لا يمكن الفكاك من تبعات ذلك إلا من صاحب الشأن وهو المتضرر الأول، والمظلوم الذي لا جرم له سوى أن هناك من لا يحمل له ودًّا ولا محبة، ويهرج عليه زورًا وبهتانًا بعض من لا يردعهم رادع ولا يمنعهم مانع.
وقفة: عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ “ظنُ العاقلِ خَيرٌ من يَقينِ الجاهل”.