فتداركوا ما بقي من شعبان

حينما يكون ما سنقبل عليه مشروعًا مهمًا وذا شأن كبير، فمما لا شك فيه أنه يحتاج لدراسة جدوى واستشارة المختصين، سواءً في تحديد الدراسة المستقبلية أو بناء عش الزوجية أو لبناء بيت أو مشروع مهم.

ونحن مقبلون على ضيافة خاصة، ولهذه الضيافة سمات وعلامات قد بينها رسول الله -صلى الله عليه وآله- من خلال خطبته في آخر شعبان، فحريٌ بالمؤمنين أن يقرؤوها بتمعن لتكشف لهم آفاق بركات شهر الله وعمقه.

أليس يكفينا أننا مقبلون على شهر دعينا فيه لضيافة الله، أنفاسنا فيه تسبيح، ونومنا فيه عبادة، وأعمالنا فيه مقبولة، ودعاؤنا فيه مستجاب، هذه الخطبة التي علينا أن نتدارسها قبل حلول الشهر الكريم حتى نحظى ولو بجزء مما نبهنا عليه الرسول الكريم -صلى الله عليه وآله-.

هذا المشروع نجد التنوع في طرق استقباله من خلال كلمات أهل البيت -عليهم السلام- عبر التركيز على شهر شعبان، وتدارك ما بقي منه؛ فحديث الإمام الرضا -عليه السلام- مع أبي الصلت الهروي، والحث على صيام آخر ثلاثة أيام كلها تؤصل للاهتمام وألا نبدأ الشهر الكريم بلا استعداد ولا مقدمات بل نجد حتى ورود دعاء في ذلك؛ “اللّـهُمَّ اِنْ لَمْ تَكُنْ غَفَرْتَ لَنا فيما مَضى مِنْ شَعْبانَ فَاغْفِرْ لَنا فيما بَقِيَ مِنْهُ”.

كل ذلك مدعاة أن نجعل لنا محطات تأمل نقف معها على عجالة لنحقق جزءًا يسيرًا لما خطط له أهل البيت -عليهم السلام- لشيعتهم عبر جملة من المحطات:

أولًا: الإكثار من الدعاء بأن يبلغنا شهر رمضان ونحن في صحة وعافية، حتى ننشط فيه للعبادة بأشكالها المختلفة، من صيام وصلاة وتلاوة للقرآن.

ثانيًا: نشر ثقافة الفرح والابتهاج وإظهار السرور باستقبال الشهر الكريم.

ثالثًا: لا بد من التخطيط المسبق للاستفادة من شهر الله، فالكثير من الناس يقتصر تخطيطهم على مستوى شراء الأغذية المادية، عبر شراء الأطعمة المتنوعة، والقليل من يخطط لاستثماره بالبرامج الأخروية، كون الشهر فرصة كبيرة لتربية النفس.

رابعًا: العزم الصادق على اغتنام الشهر لعمارته بالأعمال الصالحة؛ فالتخطيط مهم، لكن العزم على الاغتنام هو ما يحول التخطيط إلى برامج عملية ﴿فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ﴾.

خامسًا: من الأمور التي يجب على المؤمنين الاهتمام بها التفقه بأحكام شهر الله، حتى لا يقعوا في المخالفات التي قد تفسد صيامهم، حيث إن أيام هذا الشهر ليس لها مثيل.

سادسًا: التوبة مدخل مهم فعلينا أن نستقبل شهر الله وقد تركنا الذنوب وعزمنا على التوبة، لندخل الشهر ونحن مخلصون لله، ولا ننتظر دخول الشهر لنتوب ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾.

سابعًا: قراءة أسرار الصوم، أو الاستماع إلى المحاضرات التي تعين المؤمن وتهيئه نفسيًا للطاعة.

ثامنًا: الاستعداد والإعداد الجيد للدعوة إلى الله من خلال نشر كلمات أهل البيت -عليهم السلام- وأحاديثهم، والتي تحث على التوبة، وحصول التقوى، ونشر المحاضرات، وتوزيع المقالات والكتب بعنوان هدايا شهر رمضان المبارك.

وأخيرًا: فتح صفحة بيضاء مع الله تعالى والرسول وأهل البيت -عليهم السلام-، والانفتاح على صلة الرحم، وتوسيع الدائرة على المجتمع، لنكون عبادًا صالحين ونافعين؛ “أفضل الناس أنفعهم للناس”.

ببعض هذه الطرق والوسائل نستطيع أن نستقبل الشهر الكريم كما نستقبل الربيع الذي يؤثر في الأشجار بإظهار تلك الورود والثمار، ونجني ما بذلناه بالتوبة النصوح، والقرب لله عز وجل.

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا شهر رمضان، وأعنا على الصيام والقيام، وحفظ اللسان، وغض البصر.



error: المحتوي محمي