كلّ شيخ يموت هو مكتبة تحترق!

الحياة مكتبة مفتوحة، ومسرح التعليم العالي فيها الليل والنهار والتجارب التي لا تنتهي إلا مع آخر نفس. كيف إذن إذا اجتمعت ثقافة العمر وثقافة الكتاب؟ يقول المثل الإفريقي: كلّ عجوز يموت عبارة عن مكتبة تحترق! عزيزي القارئ والقارئة، هل تقرأ لتكون ذلك العجوز؟ هل تتعلم لتكون ذلك العجوز؟ هل تترك أثرًا من بعدك؟ هكذا يصف المثل الإفريقي كبير السنّ عندما يموت، بأنه مكتبة تحترق!

عقود السنوات فيها حكمة ومعرفة، أمر طبيعيّ جدًّا، أمّا لكي تكون هناك مكتبة حقيقيّة لا بد من كتب يكون قرأها العجوز أو كتبها قبل موته. لا نستطيع أن نتحدث عن عصور النهضة العربيّة والإسلاميّة -أو العالميّة- ونتاجها الفكريّ والحضاريّ بمعزل عن القراءة؛ جميع الأمم التي تقرأ وتدوّن تتطور وتتقدم، فإذا كانت في مؤخرة الحضارة تقدمت والأمة التي لا تقرأ تحلّ مكانها في المقعد الخلفي.

أصعب وأرخص مهنة -ماديًا- هي مهنة الكاتب؛ يكتب كتابًا واحدًا في أشهرٍ أو سنوات، يقضي سنواتٍ من عمره من مكتبةٍ إلى مكتبة بحثًا وتحقيقًا ويبيع الكتاب بثمنٍ بَخس -ريالات معدودات- وأحيانًا كثيرة يمكن الحصول على الكتاب دون مقابل من الشبكة العنكبوتيّة. أما الرابح فهو القارئ الذي يشتري ذلك الجهد العظيم بقيمة كيلو جرامات من الخضراوات أو الفاكهة.

إذا أردنا أن نكون مكتبة من الحكمة أو العلوم بشتى أصنافها أو الأدب، علينا أن نقرأ وإلا فالنّاس في إفريقيا التي قيل فيها المثل وفي غيرها من القارات يموتون بالآلاف ولا من مكاتب تحترق بعد موتهم، إلا من تجاربهم الخاصّة بقدر سعتها وضيقها.

أما لو عرفنا قيمة العلم وقيمة الكتاب ما سبقنا غيرنا إلى اكتشافٍ أو اختراع. العلم يأتي من الكتاب وأول الكتب القرآن الكريم الذي نقرأ حصةً منه كلّ يوم وكلّه -ربما مرات- في شهر رمضان، فمن الظلم أن نقرأه بالشفاه دون القلوب والعقول، وإذا قرأناه بالعقول ارتقينا مراتب.

العالم بين الجهال كالحيّ بين الأموات! العلم أفضل من العبادة! قليلُ العلم خير من كثير العبادة! ثلاث مقولات من مقولات النبيّ محمد -صلى الله عليه وآله- الكثيرة في الحثّ على العلم الذي لا مناصَ من القراءة إلى تحصيله.

غاية المرام: إذا أردنا أن نكون مكتبات لا تحترق، يوصي الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام-: “هلك خزّان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة” فأقل الجهد البعد عن الجهل وأن نثقل عقولنا بالمعرفة كما نثقل جيوبنا بالمال!

لو كانت القراءة ذنبًا ما تركناه؛ على هذا علينا أن نربي الأبناء والبنات. بعد ذلك لا يحتاج أن نقلق ونخاف على مستواهم الدراسيّ أو الوظيفيّ، يموت الجاهل بماله ويحيا المتعلم بعلمه. ولكلّ شيخ أو عجوز: لا تكن مكتبة محترقة! كم في المقابر من كتبٍ لم تُكتب ومعارف لم تدوّن! عندك علم؟ دونه واكتبه قبل أن تَخسره ويخسره النّاس.



error: المحتوي محمي