قال الله تعالى: “الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ” [البقرة: 261].
شدني كثيرًا ذلك الإعلان الذي وقع تحت نظري وهو يحمل عبارة (رحماء بينهم) وفي معناه يناشد أهل الخير والعطاء أهل العطف والرحمة أهل الجود والوفاء أهل المحبة والكرم، ابتداء من سيهات وأناسها الأسخياء مرورًا بقطيف العز وقراها، النبلاء حتى بيوتات صفوى ورجالها: رجال النخوة والإباء ومن هذه المعاني القيمة وسمو مضمونها أذكر نفسي والأحبة من إخوة وأخوات أننا مقبلون علي شهر الله المعظم، شهر الرحمة شهر البذل والعطاء، شهر تتعاظم فيه المثوبات وتتساقط من كرمه المعاصي والسيئات، شهر هو تجارة مع الخالق جل في علاه، وفي الحقيقة لا يستطيع عاقلان الاختلاف على علو الشأن لتلك الليالي التي ترفع فيها الأصوات بآيات القرآن، والمواظبة على سائر الذكر والعبادات والاستماع لألحان الدعاء حتى يصل بصاحبه إلى قمة الارتياح النفسي ويكون قد حقق القدر الأكبر من الاطمئنان تجاه شعوره الداخلي من خلال إحساسه أنه على طريق الجادة والصواب.
ولكي تكتمل الصفحة البيضاء بعدم الغفلة عما جاء به شهر الله من تعاليم ومبادئ سامية ملؤها عطاءات ومنح ربانية فائقة الثواب، لا يستطيع أحد كائنًا من كان حصر جزائها، وهي بأوجه متعددة: ومنها على سبيل المثال الاندماج مع أبناء المجتمع وخصوصًا من هم بحاجة ماسة لمد يد العون والمشاركة في سد الحاجات الملحة التي تثقل كاهل البعض من الأهالي والأسر ممن هم متعففون عن مد أيديهم وسؤال غيرهم، وهم في واقع الأمر متعبون من ظروف قاسية تحيط بهم حتى يصل ذلك لقوتهم وقوت أبنائهم في كثير من الأيام.
لهذا نقول وهنا لسنا بصدد التشجيع والتحفيز تجاه ما يجب أن يكون إنما كما ذكرنا آنفًا هو تذكير لما تمليه علينا ضمائرنا وتربيتنا تجاه أناس من أبناء مجتمعنا لهم علينا حق وواجب شرعي وإنساني وأخلاقي، بل هو تكليف رباني لما يستحقونه مصداقًا لقوله جل شأنه: ﴿وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾ [المنافقون: 10].
وقوله تعالى: ﴿وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ﴾[سورة الذاريات: 19].
إذًا وجه العطاء في هذا المضمار ليس تفضلًا ومنة من أصحاب الثراء وميسوري الحال لفئة هم أحوج لما يقدم لهم من حقوق نص عليها القرآن الكريم وهو تكليف من قبل الله سبحانه وتعالى ومسؤولية تجاه ضعفاء الحيلة وأصحاب الاحتياج.
ومن جانب آخر لو نظرنا بعين الاعتبار لما هو حاصل اليوم وما نعايشه بشكل ملحوظ بما يتعلق بالغلاء اللا معقول وغير المنطقي لأسعار السلع المختلفة، وخصوصًا المواد الغذائية التي هي إحدى المقومات الضرورية وعصب الحياة لجميع أفراد المجتمع دون استثناء لوجدنا شريحة ليست بالقليلة يعانون ضنك العيش وضيق الحال، من هنا تكمن أهمية ما جاءت به تلك المبادرة المباركة من مقام جمعية سيهات للخدمات الاجتماعية برجالها المخلصين تحت العنوان سالف الذكر، وتهدف تلك المبادرة إلى تقليل العبء الذي يثقل كاهل العديد من أرباب الأسر التي قد ينقصها الكثير من سد حاجاتها ومؤونتها ومتطلباتها الأساس من خلال طبيعة ذلك الشهر الفضيل.
لهذا ولنفسي وجميع الأحبة أقول يجب أن تتكاتف الجهود وتعلو الهمم ونسارع لبناء مجتمع أكثر ألفة ومحبة؛ مجتمع يشعر أفراده ببعضهم بعضًا ونسعى سويًا لمحو ضيق العيش في هذا الشهر الفضيل ما أمكن وأن ننظر للتكاتف والتعاون والإحساس بالمسؤولية تجاه دعم جمعيتنا على أنه تكليف شرعي وأخلاقي يقع على عاتق كل من يستطيع المشاركة في هذا الواجب الإنساني ويجب ألا نكون بمعزل عما تقوم به تلك المؤسسة الخيرية العتيدة من عطاءات مثمرة، بل يجب أن نهيئ لتلك السلوكيات الحميدة بوصفها ثقافة يتوجب تعميمها وغرسها في أعماق شعورنا، وكذلك لأبنائنا وأن نحرص على توارثها كجزء لا يتجزأ من نمط حياتنا، ومن هذا المنطلق يجب ألا تغيب الصورة المنيرة لمؤمنين جاؤوا من أصلاب الرجال، وأنجبتهم أرحام الأمهات الفضليات، ولطالما عملوا بجهد واجتهاد وأفنوا جل وقتهم في تقديم الخدمات، وكانت مسيرتهم حافلة بالإنجازات المشرفة تحت عناوين مشرقة زاهية وجميلة وبألوان مختلفة من العطاء، وخلد ذكرهم بكل إخلاص ووفاء حتى أصبحوا أيقونة متألقة في مجتمع كله رحمة وإخاء، لهذا يجبرنا القلم وتأبى الكلمات ألا يكتمل المقال إلا بالذكرى العطرة لرمز الكرم ورجل الخير والتي فاضت يداه الكريمتان بالعطاء الجزيل لكل أفراد مجتمعه وأهله ومحبيه الحاج عبد الله بن سلمان المطرود؛ هو ومن كان معه من المخلصين وخيرة الرجال لما قدموه لدينهم ووطنهم من أفضل الأعمال وأشرفها سائلين البارئ سبحانه أن يرحمهم جميعًا رحمة الأبرار، وأن يسكنهم الفسيح من الجنان ويجزيهم عن جميع الأهالي في الحبيبة سيهات وما جاورها من الأصدقاء والخلان خير الجزاء يا رحمن يا منان.
وختامًا عزيزي القارئ نسأل الله العلي القدير أن يختم لنا شهر شعبان المعظم بخير وصحة وعافية كما نسأله سبحانه وتعالى أن يبلغنا شهر رمضان وجميع المؤمنين والمؤمنات والأمة الإسلامية بأحسن الأحوال وأن يعيننا على صيامه وقيامه وتلاوة كتابه والتلذذ بعبادته والدوام على طاعته وأن يتقبل منا ومنكم صالح الطاعات وأن يوفقنا وإياكم لكل ما فيه خير وصلاح وأصلي وأسلم على نبي الرحمة محمد وآله الطيبين الأطهار.