التفاعلات الكيميائية عادة ما يكون ناتجها مختلفًا عن مبدأها ولا يعود كما كان إلا أن يشاء الله، وأشهر هذه التفاعلات هي تفاعل المادة الحامضية مع المادة القاعدية وينتج عنها الملح والماء ولا يعود الملح والماء إلى أسلافهما هكذا (أي بسهولة).
وتفاعلات كيمياء الحياة مثلها، فنحن في حياتنا نمر بمواقف نتفاعل معها سواء موقف فرح أو موقف حزن فإنها تبقي أثرًا في حياتنا مهما اجتهدنا لمحوه فإنه يبقى ويعود في أي موقف يعيده وربما ينسى كبير السن أسماء أرحامه وأهله ولكن لا يمكنه أن ينسى ذلك الموقف.
ابن فلانة؟!
من المواقف التى لا أنساها هو موقف ذلك الرجل الطاعن في السن الذي كان يقف أمام نافذة صرف الأدوية بالمستشفى حيث كنت أعمل وكان ينتظر أخذ علاجه، فقرأت اسمه (صفوق) فقال نعم وقبل أن أبادر في صرف الدواء سألني: أنت من العائلة الفلانية (غزوي)، قلت: نعم حيث إن عائلة والدتي هي (غزوي)، فقال عندها: ولد فلانة (سعدة)، فقلت في نفسي (الله يغريك)، حيث ذكرت أنه كان صاحب النخل (المرزعة) التي كان يعمل بها جدي وأبي وأنه رأى والدتي وعمرها أقل من خمس سنوات، فكيف قرأ وجهي وعلاقتي بعائلة والدتي ووالدتي أيضًا بعد هذا العمر الطويل (لله في خلقه مواهب).
لا تعيبن ما تملك
بعد أن تعلمت قيادة السيارة عن صغر سن والفضل يعود للوالدة، يرحمها الله، صرت أتحين أي فرصة للخروج بها فقيادة السيارة ممتعة لصغير السن وتأخذه إلى حيث يريد وخصوصًا بعد مروره بمواقف رفض إيصاله إليها من قبل من كان يملك سيارة في حينها، نرجع لموقفنا الذي لا ينسى، طبعًا كنت أقود السيارة راجعًا من عند أحد أصحابنا وفي الطريق شاهدت رجلًا ممن أعرفه بالوجه وليس بالاسم فوقفت له ودعوته لإيصاله فلبى الدعوة وعند ركوبه السيارة التي لم أعتن بنظافتها وأهملت إزالة الأوساخ منها قلت له سيارتي متسخة فرد علي بصوت النصيحة ولم يستنكر قولي لأنه أخذه على من يقلل من شأن ما بيده، قال لي (لا تعيبن ما تملك فإن غيرك لا يملك مثلها)، فكانت هذه الكلمات رسالة لي بعدة اتجاهات، أولها حافظ على ما تملك واهتم به، ثانيها أن ما تملكه وإن كان ذا مستوى متواضع فإنك في نعمة لا يملكها غيرك فلا تقلل من شأنها.
احتفظ برأيك لنفسك
كنت في الجامعة وكانت الدراسة على أشدها في تخصص الصيدلة لدرجة أنه لا يكون يومًا من الدراسة ليس به اختبار أو امتحان وكانت الدراسة متواصلة من الصباح حتى العصر بين محاضرات ومعامل تدريب علمية، وصادف أن كان هنالك تغيير في خطة الدراسة مما ترتب عليه أن نأخذ مادة دراسية يقوم بتدريسها أساتذة لم يسبق أن درسنا عندهم وأيضًا من خارج الكلية فلا نعرفهم، وفي قاعة الدراسة وبينما نحن ننتظر الدكتور الذي كان قد أنهى محاضرته لكي يغادر ويأتي الدكتور الآخر سألني أحد الزملاء عن رأيي في دكتور تلك المادة المعدلة، ولأني عادة لا أتكلم عن الآخرين وبالصدفة قلت ما قلت عنه، التفتّ فإذا بدكتور المحاضرة الأولى لم يغادر وسمع تبرمي وانزعاجي من طريقة شرح وأسلوب دكتور المادة المعدلة بوصفي له أنه (لا يفهم)، ونظر إلي نظرة فيها نوع من العتب، طبعًا للأسف أن هذه النظرة تحمل في طياتها موقفًا قد لا ينسى عن تصرفي وانتابني خوف من ذلك حيث إننا نسترشد بهذه المواقف في تعاملاتنا لاحقًا، فتبعته لكي أعتذر عما بدر مني في رأيي غير المنصف لدكتور المادة المعدلة ولكن لم أتمكن من اللحاق به، وصرت على وجل طوال ذلك اليوم حتى تمكّنت من الدخول لمكتبه حيث كان رئيس القسم، فتقدمت إليه بالاعتذار فقال لي: إنك لم تعرف الدكتور وأسأت إليه وذكر خبراته وسنين تدريسه بكلية الطب، فكررت اعتذاري وعندها قال لي: (احتفظ برأيك لنفسك) فكان درسًا لي أن أقرأ الآخرين قراءة متأنية وألا أبدي رأيي فيهم لأحد لأنه رأي شخصي ورؤية من اتجاه واحد.