سيرة طالب (٤٨)

أستاذي ثامر الوندي

الأديب الناقد الأستاذ ثامر محمد الوندي، شخصية متميّزة متنوعة في ثقافتها الأدبية والفنية بشكل بارز.
ولد سنة 1377هـ في البصرة/ العراق.
يحمل شهادة الدبلوم في صحة البيئة. له بعض المقالات النقدية المنشورة، والنصوص المسرحية والقصصية والموشحات الإسلامية، وله مشاركات شعرية في الملتقيات الأدبية والدينية.

تعرّفت عليه وهو في قم المقدّسة، ومن هيأته وهندامه يظنّ الناظر إليه أنه واحد من عامة الناس، أعني بذلك أنه رجل متواضع العلم والثقافة، ليس ذا شأنٍ كبير في عالم الثقافة والأدب، وإذا به أديب مثقف متوقّد الذهن.

كنّا في أحد مجالس طلبة العلم الذين يميلون إلى عالم الأدب والشعر، فثار نقاش بين ثامر الوندي من جهة، وبعض الأدباء المثقفين من جهة أخرى، حول جهة الفقه اللغوي، فلم أفهم بعض المصطلحات الحداثية حول علم اللغة الحديث، وصار النقاش حادًّا بينهما، وكنت حينها قليل الاطلاع والتحصيل فيما يرتبط بهذه الثقافة، الأمر الذي جعلني أشعر بأنّي دون مستوى التلميذ المبتدئ.

مولودان أثيران
وفي اليوم نفسه، وجدتني أسرع إلى رفوف مكتبة ثقافية عالمية، أسأل صاحبها عن علم اللغة الحديث، فزوّدني ببعضها، فشرعت أقرأ بنهمٍ ما يقرب من عشرة كتب، فكانت نتيجة تلك القراءة أن تكوّنت لديّ ثقافة أستطيع وصفها بالمتميّزة، باعتبار أنّها فتحت ذهني على عالم غنيٍّ بالعلم والفكر الحديث، كان خير معين لي على تأليف اثنين من مؤلّفاتي، وهما كتابا: (كائن اللغة)، و (تكوين البلاغة).

والباعث على ذكر هذا الأمر، هو الإشارة إلى أنّ كتاب *(كائن اللغة)* لم يكن مولوداً تتلقّفه أيدي القرّاء المهتمّين بهذا الجانب، إلّا بما أفدته من أحاديث ومناقشات أستاذي الأديب الناقد ثامر الوندي، فقد كان هو الشرارة التي قدحت ذهني للتفكير في هذا المسار المثير من مسارات العلوم الحديثة، وبفضله كان للـ (كائن) وللـ (تكوين) مساحة صغيرة على رفوف مكتبة الأدب العربية.

الشفاء في تربته
من القصص الغريبة ما حدّثني ثامر الوندي بعد حصول الحرب بين العراق وإيران، وكغيره من الشباب الكثير، أنه هرب مع عائلته إلى إيران، ولم يكن حينها من ركّاب سفينة أهل البيت (ع).
وحدث في يوم من الأيام أن باغته ألم في أحد أضراسه، واشتدّ الألم عند وقت السحر لدرجة لا تُطاق.

لم يكن بوسعه سوى البحث عن أيّ عيادة أو مستوصف أو صيدلية يبتغي منها ما يُهوّن عليه ألمه، لكنّه عاد إلى بيته بخفّي حُنين، فكلّ الأبواب كانت مغلّقة، وما يزال يكتوي بنار الألم المستمر الذي يكاد يقصف ضلوعه، يبلغ الذروة تارة، ويخمد دقائق معدودة، ليعود إلى قمّته.

أراد الخلود إلى النوم ولو قليلاً من الوقت، لكنّ الألم كان له بالمرصاد، ثم حانت تلك الدقائق المعدودة التي يهجد فيها الألم، فاستسلم للنوم، وإذا به يرى في عالم الرؤيا هالة أحد العلماء الأتقياء يخاطبه:
“ثامر، خذ تربة الإمام الحسين (ع) الذي في بيتك واجعلها بجانب ضرس الألم”.

انقضت تلك الدقائق، وإذا بالألم يعود إلى حالته الأولى، فقفز من مضجعه باحثاً عن التربة الحسينية التي تكون عادة في كلّ بيت مستأجر، وهذه عادة الإيرانيين الحريصين على إبراز جميع مظاهر الولاء لأهل البيت عليهم السلام.

أخذ التربة من مكانها، وضعها على الضرس موضع الألم، فشعر خلال وقت قصير جدًّا باختفاء الألم، ما جعله ينام في سبات عميق، وما انتهت ساعات ذلك اليوم حتى كان واحدًا من ركّاب سفينة النجاة.

للحديث بقية.




error: المحتوي محمي