عندما يُغيِّب الموت عزيزًا لك فكأنك تفقد جزءًا من قلبك وحتى جزء من حياتك، وشيئًا من عافيتك وحيويتك. وقد تفارقك الفرحة والبسمة التي كانت تعلو دائمًا على شفتيك، وترتسم مشاعر الحزن والكآبة على صفحة أيامك وساعاتك، وترى الحياة بلون باهت غابت عنه كل ألوان البهجة والفرح، تفقد جمالها ولذّتها، بل يصبح طعمها مر المذاق. وتشعر بأن نَفَسك ضيقًا حرجًا وكأنما يصّعّد إلى السماء. وكأنك لا تملك القدرة على مواصلة العيش دون هذا الفقيد.
كل شي يبدأ يتناقص، كل شيء فيك يذبل ويهرم حتى العمر ولو كان في زهرة أيامه، ومصدر الإدراك وهو عقلك لا يمكنه استيعاب فقده. إلا البصر والبصيرة يصبحان أكثر رؤية للحقيقة وأكثر وضوحًا من ذي قبل. فالبصر يرى خلو مكانه وغياب شخصه معلنًا “لا رجوع”، إنه الرحيل الذي اقترب منّا وحتى وإن طال بنا البقاء. حقيقة مرة غابت خلف مغريات هذه الحياة الفانية.
ترى نفسك تجري خلفها لتبعدك عن الاستعداد لهذا اليوم والتهيؤ له. تبعدك عن هدفك السامي الذي من أجله أوجدك الخالق في هذه الدنيا.
وتنكشف عن بصيرتك الحجب التي كانت تغطيها لترى ما وراء المغيّبات، وكأن الأعمار كورق الشجر تتساقط الواحدة تلو الأخرى كلما هبت رياح الموت بجانبها، إلى أن يأتي دورك لتسقط معها.
وكم هي الدروس والعبر تتراءى أمامنا في كل يوم وفي كل لحظة! فها هو الموت يغيّب الكبار والصغار ومن بينهم من هم في ريعان الشباب دون أيّة أسباب، تودع أحبتها تعلن للجميع أن يستيقظوا ويتهيأوا وليستعدوا فلعل التالي أنت.
يقول أمير البلغاء عليه السلام “عجِبت لمن نسي الموت وهو يرى الموت” الموت حقيقة مرة لا يحب البعض حتى أن يتذكره؛ لأنه شيء أعلى من مستوى استيعاب العقل البشري فيخاف منه لأنه لا يدرك ما فيه.
فكل ما علينا هو التزوّد له بالذكر والعمل الصالح فهي الذخيرة الوحيدة
التي تنفعنا في ذلك العالم الذي لا نعلم كيف سنعيش فيه، والتمسك بتعاليم الدين التي هي بمثابة طوق نجاة في الدنيا والآخرة، {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)}.
رحم الله من قرأ الفاتحة لروح أختي الغالية المرحومة معصومة كاظم العجمي.