تصطبغ منطقة القطيف بصبغةٍ محددة في إحياء مراسم عاشوراء، حيث اعتادت أن تحييها بالخطابة على المنابر في المساجد والحسينيات وبعض المجالس التي خصصها أصحابها لهذه المناسبة، ثم تختتم يومها بمسيرات العزاء ومواكبها متخذةً أشكال متعددة، إضافةً إلى المضايف التي تتوزع في جوانب الطرقات وأطراف الأزقة، والسواد سمةٌ أساسية لكل ذلك فجميع الأماكن والأشخاص يكتسون به.
ولم يقتصر إظهار تاريخ ماحدث في كربلاء على الخطباء والمشايخ فقط، فقد اعتلى الفنانون على اختلاف توجهاتهم الفنية منابر من نوعٍ آخر، فبعضهم اختار القصيدة، والبعض الآخر أمسك فرشاته وألوانه، وعكف بعضهم على اقتناص اللحظة وتوثيقها بالكاميرا.
وهذا تحديداً مافعله الفوتغرافي نسيم عبدالجبار، حين مازج بين الصورة والخط، ليصور جزءاً يسيراً من واقع المنطقة في أيام عاشوراء.
“رسم القلب”، الكتاب الأخير الصادر للفوتوغرافي عبدالجبار، يضم 16 صورة جميعها باللون الأبيض والأسود “أحادية”، تداخلها بعض المخطوطات البسيطة والتي تضم عبارات ارتبطت عند أهالي المنطقة بمثل هذه الأيام.
والكتاب يعد جزءاً من مشروع فني لعدد أكبر من الاعمال التي يضمها الكتاب، ينقل الفوتوغرافي عبدالجبار من خلالها مشاعر المعزين مع روح المكان، حيث ذكر في حديثه لـ”للقطيف اليوم” أن كل المخطوطات الموجودة في الصور هي عبارة عن الجدران المحيطة بالمعزين والتي لها أثرها على المشاهد من الناحية النفسية والفكرية وكأنها تجسد رسم قلوبهم للمشاعر.
وأضاف:” تلك المخطوطات هي مشاعر الناس ، ولاؤهم، انتماؤهم توزعت في الطرقات المحيطة بهم طيلة الأيام العاشورائية، وقد تم دمجها بتقنية التعريض المضاعف عن طريق الكاميرا مباشرة أثناء التصوير”.
وأشار إلى أنه التقط جميع الأعمال في موكب الإمام الحسن “ع” بالشويكة، واستغرق 6 أيام، من الرابع وحتى العاشر للمحرم العام الماضي.
وعن تأثير تلك المخطوطات ودورها في إبراز القضية الحسينية وهل أضفت طابعاً مختلفاً على الصور المجردة منها، قال:” إن استحضار ما يمر على عين المعزين، ما يستثير مشاعرهم ويشغل تفكيرهم وتقديمه للناس كمحاولة لمعايشة هذه اللحظات والمشاعر معهم وتقديم قراءة للشعائر الحسينية من زاوية مختلفة، كل هذا لم يكن يتحقق لولا هذا الحضور المكثف للخطوط والعبارات المرتبطة بالقضية الحسينية” ، مضيفاً بأن الفن في عمومه سواءً كان تشكيلياً أو فوتوغرافياً يعد لغة عالمية لكل الشعوب تتجاوز اللغات والجغرافيا لذلك هو صوت القضايا العالمية ومنها قضية الحسين.
ولربما كان لسواد عاشوراء المنتشر في أزقة القطيف وشوارعها أثراً واضحاً على “رسم القلب”، فقد ذكر عبدالجبار أنه لا توجد ألوان حاضرة بالمناسبة إلا بقدر يسير لذلك اختار “الأحادي” لأعماله فهو أكثر تعبيراً وتركيزاً على المناسبة.
وحين نقف على اختيار الاسم للكتاب ومدى ارتباطه بمضمونه يجيبنا:” المخطوطات عبارة عن خطوط وانحناءات تسجل ما يحمله القلب من مشاعر وقضية فهي رسمه الصادق المتجسد في حياة الناس واشتغالاتهم بالحسين عليه السلام”
ولعبدالجبار تجربة سابقة في نشر القضية الحسينية فنياً فقد أصدر كتاباً سابقاً بعنوان رائحة الجنة ينقل أحداث زيارة الأربعين من خلال 70 عملاً فوتوغرافياً نشره عام 2012 م .
يشار إلى أن كتاب “رسم القلب” من القطع الكبير 25 سم في 30 سم، وهو مطبوع طباعة رقمية حيث يتم طباعته حسب الطلب من الموقع وإرساله للمشتري وذلك عن طريق موقع متخصص بالطباعة، كما يجدر بالذكر أن للفوتوغرافي نسيم مجموعة من الكتب الفوتوغرافية السابقة، وهي: وجع الحياة 2010 م، رائحة الجنة 2012 م، وجه 2016.