في القطيف.. المصلي يجسد ذاكرته الفنية لجزيرة تاروت في 55 لوحةً.. ويختزلها في «إلهام ومسيرة»

جسد معرض “إلهام ومسيرة” خلاصة التجربة الفنية للفنان التشكيلي محمد المصلي، والتي تربو على خمسة عقود، بعرض إنتاجه الفني المرتبط بمسقط رأسه جزيرة تاروت، والذي استوحاه من بعض الأحداث التي عايشها، واختزلها في ذاكرته ليحولها بالريشة والألوان لإنجازات وتجارب فنية توزعت بين 55 لوحةً فنية، عرضها مع عدد من مقتنيات متحفه الشخصي الذي يروي تاريخ جزيرة تاروت؛ الفني، والثقافي، والاجتماعي، والسياسي.

واكتست صالة علوي الخباز بالقطيف، بأعمال “المصلي” التي تتحدث عن مسيرته، بعد تدشين المعرض من جانب رئيس جماعة الفن التشكيلي والقيم في الصالة الكبرى بمركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي “إثراء” الفنان كميل محمد المصلي، وبحضور نخبة من الفنانين التشكيليين والمهتمين بالفن التشكيلي في محافظة القطيف والمنطقة الشرقية والبحرين، وذلك يوم الخميس 3 شعبان 1444هـ، على أن يستمر خمسة أيام قابلة للتمديد.

وعكس المعرض الشخصي السابع للفنان المصلي، غزارة تجربته التي بدأت منذ سبعينيات القرن الماضي، مترجمًا فيه الأحداث من ذاكرته البصرية والسمعية، بلوحاته ومقتنياته وأدوات متحفه الشخصية، والتي تستخدم بشكل رئيس في البيت التاروتي، ليعيد من خلالها لذاكرة الزوار أحداثًا أصبحت أثرًا بعد عين مع تتابع الزمن.

وكشفت اللوحات المعروضة بعضًا من جوانب الذاكرة الفنية للمصلي، والتي تتنوع بتنوع الألوان والخامات التي يستخدمها، لتأخذ المتلقي إلى معرفة مدى تطور الحركة التشكيلية التي عاصرها في جزيرة تاروت والمملكة، واستحضر فيها الأحداث الجوهرية التي عاشها الأهالي، فنجدها تارة بين التعريف بها للأجيال الشابة، وبين عودة الحنين والتأكيد لمن عاصر تلك الحقبة ممن تقدمت أعمارهم.

واستعان “المصلي” في رسم لوحاته بعدة وسائل مثل ألوان الإكريليك، وأقلام الرصاص، والزيتية، والشمعية، والألوان المائية، والألوان المائية على ورق، والباستيل، بالإضافة إلى أعمال فنية مصنوعة من خامات بيئية، وبعض المنحوتات، كما حضرت بعض من المقتنيات الشخصية؛ من كُتب ودفاتر رافقته في رحلته بين فصول المدرسة.

ووقف “المصلي” في لوحاته التي مزجها بين الفن التشكيلي والفوتوغرافي على ذاكرة المكان والزمان، حيث تنوعت بين الواقعية، والطبيعة الصامتة، والبروتريه، لتعطي رسائل واضحة للمشاهد، كلوحة “شيطان العصر” التي رسمها عام 1397هـ، بالألوان الزيتية، ووجه فيها رسالة ضد عادة التدخين، مع توثيق عدة معالم تاريخية في جزيرة تاروت، ومنها؛ مسجد الخضر قديمًا، وحمام باشا، وقصر تاروت، وسوق تاروت الذي ظهر في صورة فوتوغرافية بمقارنة بانورامية بين عام 1981 – 2023م، بالإضافة إلى قهوة سعيد الصديق، ومجلس جده عيسى المصلي، وحسينية الشايب، ومزارع وبساتين تاروت.

ويستعد المعرض لاستقبال الزوار، بالإضافة إلى تقديم جلسة حوارية خاصة بين الفنان المصلي والفنان عبد العظيم آل شلي، يوم الأحد 6 شعبان 1444هـ، حيث سيتم فيها مناقشة المصلي حول 12 محطةً من حياته الفنية، مع تقديم قراءات فنية من عدة فنانين.

من جانبه أكد الفنان التشكيلي عبدالعظيم آل شلي لـ«القطيف اليوم» عمق تجربة الفنان محمد المصلي، مع ما يتقاطع معه من ذاكرته في كثير من التفاصيل؛ كونه نشأ معه في حي ديرة تاروت، وترعرع معه بين طرقاتها تارة، والنادي والمدرسة تارة أخرى، وكذلك الكثير من المناسبات الاجتماعية التي شهدتها جزيرة تاروت، كما أنه شاهد عيان على الأحداث التي صورها في لوحاته.

وأوضح “آل شلي” أن تجربة المصلي الفنية تستحق الاحتفاء بها، وهذا هو أول معرض شخصي له في محافظة القطيف، وذلك ضمن نطاق جماعة الفن التشكيلي، التابعة لنادي الفنون بجمعية التنمية الأهلية بالقطيف، حيث شمل المعرض عدة أعمال في فترات زمنية متعددة وليس حقبة حديثة فقط، وذلك منذ أن كان طالبًا في معهد التربية الفنية في منتصف السبعينيات الميلادية مع وجود أعمال حديثة.

ونوه “آل شلي” بتناول “المصلي” الطبيعة الصامتة برؤية حداثية معاصرة معبرة عن أجزاء البيئة المحلية، لكنه عالجها برؤية تجريدية، لافتًا إلى لوحات رسمها في فترة الجائحة معتمدًا في رسمها على ذاكرته وخياله، ملاحظًا استخدامه أكثر من وسيلة تعبيرية، ومنها الألوان الشمعية، وهذه ميزة بين أوائل الفنانين على مستوى القطيف الذين اهتموا بالرسم باستخدام الألوان الشمعية.

من جانبه، أفصح الفنان كميل المصلي ابن الفنان محمد المصلي عن أنه يحتفي في معرض “إلهام ومسيرة” بواقع فني عايشه منذ الطفولة، حيث تربى في بيته الذي كان أشبه باستديو، وتشرَّب فيه حب الفن والعمل التطوعي، والشغف لنشر الفن، مع يتميز به والده من إتقان العمل الفني الذي واكب تطوره خلال سنوات، في وقت كانت رغبة نشر الفن في صورتها الناشئة في المجتمع، رغم أن والده من أوائل الخريجين في معهد التربية الفنية.

وذكر “المصلي” أنه لمس في والده حس القيادة لتعليم الآخرين، وذلك من خلال تأسيسه عدة جماعات فنية منها؛ جماعات المرسم، وجماعة تاروت، ثم جماعة الفن التشكيلي بالقطيف، إلى أن وصل لرئاسة الجمعية السعودية للفنون التشكيلية “جسفت” بالدمام، وهذا كله يحمله مسؤولية لمواصلة العمل ليس لكونه رئيسًا لجماعة الفن التشكيلي فقط، بل هناك جانب تطوعي واجتماعي مقابل للفن.

وكشف أن فكرة تنفيذ المعرض بدأت منذ نهاية السنة الميلادية الماضية، وتم الإعداد واختيار الأعمال له منذ أسبوعين، وكانت النتيجة صياغة قصة المعرض “تاروت.. إلهام ومسيرة”.




error: المحتوي محمي