انزواء إيجابي

القدرة على الاندماج و الانسجام الاجتماعي هو من المهارات التي يتمتع بها الفرد السوي ، و ذلك أن المجموعة المحيطة به تهبه الطمأنينة و المحبة و الأمان الاجتماعي ، و يستمد منهم المشورة و النصح و تبادل الآراء و بناء الأفكار المشتركة ؛ ليشكلوا بذلك قوة يدافع بها المرء الظروف الصعبة و نكبات الزمن و حفره ، و أما ذاك الانطوائي الذي يركن إلى الانعزال و البعد عن كل أشكال التواصل و الاجتماع ، فهو يعبر عن نقص و ضعف عن الاندماج ، و هذا ما يفقد الفرد الكثير من المزايا الاجتماعية التي يحظى بها في محيط بيئته و علاقاته ، مما ينعكس سلبا على نفسيته الضعيفة و التي تسكنها الوساوس و الظنون و الأوهام و تبلد الأحاسيس .

و لكن ، واقعنا اليوم و الذي اخترق فيه البعض كل خطوط الاحترام و الأدب في التعامل و الحوار ، و دارت في الجلسات ألوان الأحاديث التافهة و السخيفة و الاهتمامات السطحية ، ألا يحق للعاقل أن ينأى بنفسه عن تلك الملوثات للعقل و السلوك ، فينزه نفسه من الانخراط في حفلات ضياع الأوقات و تفويت الفرص ، بل و تتضاءل تطلعاته و طموحاته و همته ؟
هذا لا يعني دعوة إلى الانزواء الاجتماعي و البعد عن التواصل مع الآخرين ، فهذا انفراط لعقد الشخصية السوية و التي يشكل الجانب الاجتماعي جزءا مهما منها ، و لكنها دعوة لحسن الاختيار للرفقة الصالحة و العاقلة ، و التي تعمل على تنمية شخصيته و مساندته على خوض غمار العمل و ميادين الإنجاز و تحقيق الأهداف بكل قوة و اقتدار ، يختار من يقوون قدراته و يرفعون سقف تطلعاته نحو علياء الأمور .


error: المحتوي محمي