من بين التربة تبرعمت بذور هوايتها ونمت، حتى ملأت سطح منزلها فغدى جنة مزهرة، فبين يدٍ تمسك الطباشير وأقلام السبورة صباحًا وأخرى تغرس وتبذر مساءً وجدت رويدا عبد الله علي الزوري نفسها، وكما تتعهد طالباتها بالرعاية والتعليم فهي تتعهد نباتاتها بالريّ والتسميد، لتحصد نهاية كل موسم نتيجة جهدها، تارةً كمعلمة وأخرى كمزارعة.
“الزوري” معلمة تربية فنية في الثانوية السادسة بالقطيف، علاقتها بالأرض لم تكن وطيدةً حتى قبل تسع سنوات ماضية، فهي لم تخض تجارب في الزراعة، والعلاقة الوحيدة التي كانت تربطها بها هي تلك المتعة التي تسكنها وهي تشاهد المزرعة في بيت خالها -رحمه الله-.
ضالتها في “أمازون”
بقيت علاقة “رويدا” بالخضرة علاقة حبٍ من بعيد، إلى أن قادتها الصدفة لخلق صداقة حقيقية مع النباتات وثمارها.
تروي حكاية بدايتها لـ«القطيف اليوم»: “قبل 9 سنوات تقريبًا اضطررت لأخذ إجازة لرعاية ابنتي الصغيرة، وخلال تجولي في موقع أمازون الأمريكي اكتشفت جهازًا صغيرًا للزراعة المائية، وقد أثار الجهاز فضولي، لأنني كنت قد جربت الزراعة عند النافذة سابقًا ولم أنجح”.
بعد أن وصل الجهاز، كانت المفاجأة لها كبيرة جدًا بعد نجاح الزراعة، وذلك لتوفيره جميع احتياجات النبات، بالإضافة إلى سرعة نمو النباتات في الأنظمة المائية، وقد كانت منتوجاتها الأولى الطماطم القزمي والريحان.
بعد نجاح الزراعة في الجهاز، قررت شراء أحواض صغيرة لتزرعها وتضعها بجانبه ليوفر لها الضوء، لكن المكان لم يعد كافيًا لكل ما كانت ترغب في تجربة زراعته، لذلك قررت أن تصعد للسطح بمزرعتها الصغيرة.
من علب العصير إلى السطح
تقول: “بعد التجربة الأولى داخل المنزل تحمست بشدة وبدأت في البحث عن مكان للزراعة فيه، بحيث يوفر الضوء الكافي للنبات ولم أجد غير سطح المنزل، عندها بدأت في الزراعة بمواد بسيطة مثل علب الماء والعصير، ولم أكن أعرف وقتها أنها غير كافية لبقاء النباتات فيها”.
وتضيف: “كنت أرى أنني حصلت على الضوء الكافي، لكن التجربة جعلتني أكتشف حاجتي لعنصر آخر لنجاح الزراعة، وهو التربة المناسبة والحوض الملائم للنبات، ومن هنا كانت انطلاقتي في زراعة السطح”.
وتبيّن؛ أنها وقتها كانت قد جربت زراعة الطماطم الكبيرة، ولم تكن تعرف الفرق بين القزمي والعادي، كما كانت تتوقع أن المكان كافٍ، لكنها بعد البحث والتجربة اكتشفت أن شتلة الطماطم الواحدة تحتاج مكانًا كبيرًا، لذلك بدأت في التفكير والبحث عن مكان أفضل ومنها توجهت للزراعة في السطح.
نصف السطح أخضر
تحول سطح منزل “رويدا” إلى مزرعة تمتلئ بالخيرات، ومكان تستريح النفس وهي تتجول فيه، ولكن ذلك ما كان ليكون إلا بعد أن بدأت في شراء الأحواض بشكل متتابع مع البحث عن التربة الملائمة لها فقامت بإجراء التجارب الزراعية إلى أن ملأت نصف سطح منزلها الذي تبلغ مساحته 350 مترًا تقريبًا بالنباتات، وقد استغرق منها ذلك ثلاث سنوات.
الحظر يهديها أخشابًا ومنشارًا
في تلك الفترة كانت زراعتها كلها تعتمد على الأحواض البلاستيكية إلى أن جاءت جائحة كورونا، وفرض الحظر على الجميع حينها قررت استغلال وجودها في المنزل وبدأت في عمل أحواض خشبية.
تقول: “قمت بشراء كمية من الأخشاب مع منشار كهربائي ومثقاب كهربائي “دريل” وعكفتُ على عمل مجموعة كبيرة من الأحواض الخشبية واستبدال الأحواض البلاستيكية لقناعتي بأنها ستكون أفضل لنمو النباتات”.
استغراب في البداية.. والنهاية تختلف
حافظت “الزوري” على المضي في هوايتها، رغم أنها لم تحظَ بتشجيع كبير من محيطها، فهي تصف ردود الأفعال على توجهها لممارسة الزراعة بقولها: “في بداياتي كان هذا التوجه مثيرًا للاستغراب عند البعض وللضحك عند البعض الآخر خصوصًا لعدم معرفتي السابقة بالزراعة”، لكنها كما حصدت ثمار زراعتها بعد صبر فقد حصدت تشجيعًا وإعجابًا بعد النجاحات المتتالية لها في الزراعة، فقد تغيرت النظرة بالكامل -حسب وصفها-.
في سطحها “نعمة”
بعد هذه السنوات ولدت علاقة وطيدة بين “رويدا” وبين المنتجات الزراعية التي تزرعها في سطح منزلها، وقد تنوعت محاصيلها بين الخضراوات والورقيات والزهور أيضًا.
ومن أمثلة ما تزرع من أنواع الخضراوات، لديها الطماطم والخيار والفلفل والباذنجان، كما يشهد سطح منزلها زراعة الخس والخردل والبوك تشوي والكيل من الورقيات.
تتحدث عن ذلك بقولها: “هذه إحدى مميزات الزراعة المنزلية وهي وجود الكثير من الخيارات المتعددة، فمن أكثر ما أعشق من المنتجات الزراعية وما أحرص على زراعته في كل موسم؛ الطماطم بأنواعها الكثيرة وأشكالها المتعددة ونكهاتها المختلفة، أما أسهل ما زرعت فهو الفجل والورقيات أيضًا، وعلى عكس المزروعات السهلة فإن أصعب ما قمت بزراعته هو بعض أنواع الزهور مثل الفوكس جلوفز، واللافندر”.
عقبات تجاوزتها بالإنترنت
تلخص “رويدا” أبرز العقبات التي واجهتها كمزارعة بـ”عدم وجود مصادر التعلم فأنا لم أكن أعرف أحدًا مرتبطًا بالزراعة وذا خبرة فيها لأستمد المعلومة منه، لذلك اعتمدت في التعلم على شبكة الإنترنت وبرامج التواصل الاجتماعي، ومن حسن حظي كان انضمامي لمجموعة من أبرز المجموعات الزراعية (مجموعة الزراعة المنزلية)، التي تعلمت من أعضائها الكثير عن عالم الزراعة”.
عقارب ساعتها تتحرك بين المنزل والمزرعة
تجد “الزوري” وقتًا كافيًا للعناية بنباتاتها وسط ازدحام ساعة يومها بمسؤوليتها كمعلمة أو واجباتها كأم وربة منزل، وقد ساعدها على ذلك عدم حاجة مزرعتها لتفرغها التام.
توضح ذلك قائلة: “الوقت المفضل عندي للزراعة هو العصر والإجازة الأسبوعية، كما أن الزراعة لا تحتاج لتفرغ يومي عند توفير الظروف المناسبة لها؛ ومن أبرزها وجود نظام ري أوتوماتيكي مما يسهل عملية الموازنة بينها وبين مهام البيت والعمل”.
بين الاكتفاء ومصدر الدخل
تؤكد ابنة سنابس أن الزراعة المنزلية تحقق الاكتفاء الذاتي للأسر التي تمارسها، مشيرةً إلى أن توفر بعض المحاصيل بشكل كامل أو جزئي خلال الموسم الزراعي يعطي شعورًا بالرضا مع دافع للاستمرار.
وتضيف: “بالإضافة إلى معرفة من أين أتى المنتج والتأكد من نظافته وخلوه من أي مبيدات أو مواد ضارة بالصحة، ناهيك عن أن الزراعة في المنزل تعطي المجال لزراعة أنواع من النباتات غير متوفرة في الأسواق أو أنها تباع بأسعار مرتفعة”.
وعن تحول الزراعة المنزلية لمصدر دخل إضافي عند البعض، قالت: “يمكن للبعض أن يحول زراعة الأسطح لمصدر دخل فهي تعطي إنتاجًا وفيرًا”.
لكنها تستدرك بقولها: “رغم ذلك فإنه بالنسبة لي قررت الاستفادة من محاصيل السطح لسد حاجة المنزل والتوزيع على الأهل والأصدقاء، بالإضافة للاحتفاظ بجزء من هذه المحاصيل لاستغلالها والاستفادة منها في أوقات عدم توفرها عن طريق حفظها وتخزينها بالتثليج أو التجفيف أو غيرها من طرق الحفظ”.
عالم أخضر.. ونصائح.. ومتعة
تتمنى “رويدا” أن يعيش الجميع متعة الزراعة والحصاد وأن تنتشر المساحات الخضراء في كل مكان في وطننا الحبيب، وتنصح كل من يرغب في ممارسة الزراعة بالبحث ثم البحث ثم البحث -حسب قولها-، مضيفةً: “الزراعة عالم كبير يحتاج لرحلة تعلم مستمرة لذلك أنصح الجميع بالبحث عن كل نبات وكل معلومة يمكن الحصول عليها، وأيضًا التجربة العملية فمن التجارب والأخطاء نكتسب الخبرة ويتحقق النجاح”.
وتختم حديثها بقولها: “من أمتع اللحظات عندي -منذ دخولي عالم الزراعة حتى الآن- اللحظة التي أقوم فيها بتجربة طعم نبات جديد كنت أراه في المواقع وخلف الشاشات، والمقارنة بينه وبين محاصيل أخرى بنكهات وطعم مختلف أو متشابه، واكتشاف إمكانية زراعته عندنا، أيضًا من اللحظات المميزة النجاح في زراعة نبات جديد لم تكن زراعته معروفة عندنا، وإثبات إمكانية نجاحه في المنطقة مثل الفوكس جلوفز”.