بالأمس كنتُ أشاهد لقاءً سريعًا، كانت المذيعة تطرح أسئلة على ممثل امتلأ جسمه بالوشوم الغريبة -وإن كان هذا الموضوع لا يعني شيئًا لدى البعض- فضلًا عن تصريحه بالزواجات الفاشلة التي مرّ بها والتي بلغت خمس زيجات أعقب ذلك حديثه عن إدمانه على المخدرات وأمور لا يمكن أن تجني من خلال سماعها أيّ فائدة قد تحفّزك لإكمال هذا اللقاء.
واصلت المذيعة حديثها معه إلى الحدّ الذي أشبعني دهشةً؛ كيف لنا أن نُسلّط الضوء على مثل هذه الشخصية؟ وماذا سيُضيف لنا؟ أم أننا نستطيع أن نعدّ هذه الشخصية النموذج السيئ الذي سيكون سببًا في ابتعادنا عن مزالق الأخطاء والتجارب السيئة؟!
أنهيت في الحال هذه الوقفة الهزليّة، وشعرتُ بالذنب لمشاهدة هذه المساحة الهابطة المحتوى.
لقد أدركتُ أن هناك حرمة للوقت ولا يمكن المساس بقدسيته في سماع شيءٍ نكرة لا يمكن أن يُضيف لي ما هو مفيد.
أعلمُ تمامًا أنّهُ منذ فجر التاريخ والصفحات التاريخية مليئة بشخصيات لها رائحة تزكم الأنف، ولا تستحق أن توضع إلّا في مكبّات نفايات التاريخ، بل إننا عندما نقرأ عنها نتعرض لهزّات نفسية عنيفة وبدرجات متفاوتة، ولا يمكن أن نضع تلك الشخصيات في موازين مُنصفة مع صفحات الأخيار في أعمدة التاريخ البشريّ لكنّها خيوط الخير والشر التي نبصرها في نسيج الحياة البشريّة على الأرض.
البعض من هؤلاء النماذج التافهة لهم مساحة كبيرة، وهذا من الواقع المؤلم لكن لابد أن نتخطاهم؛ بل من الأفضل استئصالهم وتهميش دائرتهم.
نحنُ نمتلك كنوزًا بشريّة ضمن منصّات التواصل الاجتماعي وحضورها المشرق هو صمام الأمان لبقاء المبادئ الصحيحة.
لذلك لابد أن نستمع لمن يُضيف لنا إضافة أنيقة من الثقافة والجمال والفن والعلوم الدينية والاجتماعية المختلفة فالوقت الذي ينقضي لا يعود أبدًا، ولابد أن نعترف أمام أنفسنا بأننا محاسبون على انقضاء وقت لا يمكن استرجاعه.
عن عدي بن حاتم قال: قال صلى الله عليه وآله وسلّم: (لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه ما فعل به، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه).
وفي محاولة منّا لتعريف الوقت نستطيع القول بأن الوقت هو ذلك الوميض البرقيّ الذي يلد ويموت في آنٍ واحد ولا يمكن إهداره عبثا إلّا عندما تقفز متابعة التافهين إلى الملايين فيشجع الناس أحاديثهم بحرارة وينزلونهم منازل العلماء والمنجزين اجتماعيًّا، فتسقط القدرة على لجم أفواههم ويزداد التمسك بقشورهم الزائفة.
إن المشاهدات الهابطة التي تهدر أوقاتنا تفقدنا السيطرة على التحكم في برنامجنا اليوميّ مما يجعلنا نغادر ساعات نهارنا صفر اليدين وقد يؤثر ذلك في علاقاتنا الاجتماعية وعلاقتنا بالله تعالى، في الوقت الذي يعيش فيه الناس خوفًا من الزمن لسرعة انقضائه.