روى كاتبٌ فرنسي اسمه “فرانسوا رابليه” قصةَ رجل يدعى “بانورج” كان في رحلةٍ بحريّة على متن سفينة وكان على نفس السفينة تاجر أغنام اسمه “دندونو” ومعه قطيع من الخرفان ينقلها بغرض بيعها.
كان “دندونو” تاجرًا جشعًا وحدث أن وقع شجارٌ على سطح السفينة بين “بانورج” والتاجر “دندونو” صمم على أثره “بانورج” أن ينتقم من التاجر الجشع، فقرّر شراء أحد الخرفان بسعرٍ عالٍ.
أمسك “بانورج” بالخروف الذي اشتراه من قرنيه وجرّه بقوة إلى حافة السفينة ثم رماه في البحر. تَبعت الخرفانُ خطى الخروف وقفزت في البحرِ واحدًا بعد آخر. حاول تاجر الأغنام “دندونو” منع خرفانه من القفز، لكنّ محاولاته لم تنجح، فقد كان اعتقاد الخرفان بصحة ما يفعلونه أكبر من أن يُقاوم.
أمسك “دندونو” بآخر الخرفان الأحياء آملًا في منعه من القفزِ والموت، إلّا أن الخروف كان مصرًّا على القفز وراء الخرفان، فكانت النتيجة أنْ سقط كلاهما في الماءِ ليموتا غرقًا، التاجر والخروف.
على إثر هذه الحكاية صار تعبير “خرفان بانورج” أو moutons de Panurge مصطلحًا معروفًا في اللغة الفرنسيّة ويعني انسياق الجماعة بلا تبصر وراء آراء أو أفعال غيرهم.
يقول الإمام الكاظم عليه السلام لصاحبه هشام: “يا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال النّاس: في يدك لؤلؤة، ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال النّاس: إنها جوزة، ما ضرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة”.
خلاصة الفكرة: تعتقد جزمًا صحة رأيك والناس يقولون: لماذا أنت تفعل هكذا؟ والأمثلة كثيرة، فهل تكون مثلما في الحكاية والنتيجة الغرق؟ أم تحتفظ بالجوهرة وما ضرّك من قال عنها جوزة؟ كثيرون يقدمون لنا النصائح المغشوشة! هم يعرفون الفرق بين الجوزةِ واللؤلؤة ولكنهم – لؤمًا وحسدًا – لا يريدوننا أن نحتفظ باللؤلؤة، لأنهم ليس عندهم جواهر مثلنا!
يدور على ألسن الناس عندنا قول: “مع الخيل يا شقراء” والقول الآخر “من طق طبله قال أنا قبله”، وهو انتقاد لمن لا يُعمل عقله ويجري خلف غيره دون سبب وجيه. وفي اللغة العربيّة يسمى “إِمَّعة” من يقول لكلّ أحد: أنا معك، ولا يثبت على شيء لضعف رأيه، وجاء في الشعر المنسوب للإمام عليّ (عليه السلام):
إذا المشكلاتُ تصدينَ لي * كشفتُ حقائقها بالنظر
ولستُ بإمعةٍ في الرجال * أسائلُ هذا وذا ما الخبر؟
وكان علي عليه السلام يوصي كثيرًا بإعمال العقلِ والتجربة وينهى عن الحماقة والشطط في التفكير.