من قناعاتنا الشخصية أننا نؤمن بالملكات والمواهب كونها هبات من الله عز وجل يتفضل بها على بعض عباده فيمتازون بها بين الناس ، ويظهرونها في معظهم ومعظمها للمجتمعات كرسالة مفادها أن على كل من تعلم أو ملك ما ليس عند غيره أن يظهره للناس كفائدة مشتركة.
و ينسحب هذا المعنى كذلك على أولئك الذين يجدّون ويجتهدون في الحياة لتحصيل العلم والمعرفة على اختلافها ، سواء برغبة ذاتية الإتجاه ، أو مطمح ومفتاح لباب الرزق والعيش الكريم كما هي سنة الحياة .
بين هذا وذلك يمتاز البعض ، ويتألق بعضٌ آخر ، فيبرزون بين أقرانهم ، ويكون لهم شأن غير الشأن ، فيصبحوا مطالبين بأن يؤدوا رسالاتهم لمجتمعاتهم على خير وجه ، فتراهم قد رهنوا أنفسهم لغيرهم ، وأمسوا بلا حدِّ فيتوقفوا ، ولا حول فيتمنعوا
وتتنوع المواهب والملكات ، ويتألق أصحابها على اختلاف الصعد ، فترى الواحد منهم يتقلب بين الإبداع والإختراع ، واختراق المستحيل ، والتحليق في فضاءات القدرات الخارقة ، في تطور عجيب متى ما كان مخلصاً ومنكباً على بحوثه وقراءاته ومطالعاته واختراعاته ، إلى آخر ذلك ، وهذ ما يتيح له استشراف المستقبل ، واستشعار الحدث ، وتوقع الغير متوقع ، بعرفانية محضة ، فيبدي رأيه ، ويضع ما دلته عليه بصيرته بكل صدق وحيادية ، وبتنوع يجعل البعض يظن أنه يتقلب على ظهره وبطنه ، بينما هو يتقولب بين التنوع والإبداع بحرفية مبهرة.
ولهذا ترى الشاعر والرسام والكاتب مثلاً يحلقون بالآخر في عوالم ربما يظن البعض أنهم ينحرفون فيها عن الواقع ، في الوقت الذي يكون فيه هؤلاء في قلب الواقع ومركزيته ، وفي أصوب توقعه وفرضيته الآنية أو المستقبلية .
فهؤلاء لا يؤآخذون على ما يبسطونه بين أيدي الناس وعيونهم ، بل على هؤلاء الناس أن يكونوا حياديين ويحاولوا أن يفهموا الرسالة التي يريد منها الرسام أو الكاتب أو الشاعر إيصال فكرته من ، والبوح بقناعاته من خلالها ، وليس من العدل أن يكون سوء الظن أو التسخيف مثلاً هو ما نبديه عن هؤلاء بدلاً عن حسن التقدير ، أو لا أقل محاولة اكتشاف الحقيقة الغائبة بين لمسات الريشة أو أحرف القافية الشعرية أو كلمات المقال التي يساء الظن بها وهي لا تعبر سوى عن رأي أن صدق كفّى وأوفى ، وإن أخفق فما على غيره من حرج .
قولبة الظنون بشكل يسيء للآخر الذي انغمست حياته بين جدران الجهد المضني واحترافية الموهبة ، والإبداع في الملكة ، ليصل الحال بالبعض إلى محاولة نسف بعض هؤلاء المتأصلين نوعاً وابداعاً ونقاءاً ما هي سوى قلة حيلة أمام من وجدوا أنفسهم في مقدمة الركب وغيرهم خلفهم يلهث دون طائل.