يقول أمير الشعراء أحمد شوقي:
قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولًا
أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي
يَبني وَيُنشِئُ أنفسًا وَعُقولًا
إنه المعلم حامل رسالة مقدسة المهنة يوصلها للأجيال الناشئة إن كانت تعليمية منهجية كما هو حال الدراسة المتعارف عليها “الابتدائية – المتوسطة – الثانوية” أو أكاديمية “الدراسات العليا” أو دينية وهي الأفضل والأرفع شرفًا والأعلى رتبة.
ونحن هنا نعني “المعلمين والمعلمات على حد سواء” المشتغلين بالتدريس في الصفوف المنهجية. وهم ثلاثة أصناف:
الأول: تسميته معلمًا ظلم للمهنة تدنيس لمكانتها فهو أقل من أن يسمى بها، غير مهتم بواجباته أو جاهل بها، عديم الأخلاق حتى مع زملائه فضلًا عن طلابه، ينتهج أسلوبًا همجيًا داخل المدرسة، يهزأ ويعيب، متدني المستوى، صبياني خارجها، عندما تشاهد أفعاله أو تسمع أقواله يشعرك كأنه لم يمر بمرحلة تعليمية في حياته وبدون تربية، يستغل الفرص لمصالحه الشخصية، يتلاعب بالمستويات والنتائج وإعطاء الدرجات على حساب المتفوقين، لا يصحح أخطاءه لا ينمي قدراته لا يجدد معلوماته، يعاني الطلاب منه فلا البقاء في البيت والتخلص منه يجدي والخوف عند إخبار أوليائهم يلاقون متى بلغه ذلك زيادة قسوة حضورهم عنده، رعب وتهديد ينعكس على سوء تحصيل لكرههم مادته، يصفهم بكلمات سوقية معيبة لا يتحاشى قبيح قول وفعل، فأين الرسالة التي ذكرها الشاعر وينادي بها؟ أي نفس يبني أو عقل ينشئ؟ أيقام له أو يبجل؟ إنه يحطم النفوس ويخرب العقول يحول النجاح يعيد إلى أمية سبقت بقرون، كم طالب حرم نفسه المدرسة بسببه! على الإدارة متابعة مَن هذه أوصافه أو بعضها “إن وجد” واتخاذ ما يلزم متمنين ألا يكون بيننا مثله، ندعو لهم جميعًا بالصلاح والإخلاص في العمل.
الثاني: يؤدي دوره على أكمل وجه ملتزم بالنظام يحضر مواده بالتمام مستقيم السيرة حسن الخلق لا يسيء لأحد متعاون مع قيادة المدرسة لم يصدر منه فحش كلام لا يشتكي أحد شيئًا يؤذي فعله، ولكن لا يعنيه الطالب خارج الدرس أو بعد تخرجه، المعرفة والعلاقة انقطعت، يرى نفسه معلمًا لا مربيًا، مع ذلك يشكر على ما قدم وله التقدير والاحترام، وإن كانت الأمنية أكثر لأن دوره تأسيسي مصيري وقدوة يجب ألا يقطع الصلة.
الثالث: المعلم المربي الأكبر المثل الأعلى في المدرسة والطريق في المجلس وعند التعامل الطلاب، أبناؤه يعاملهم بحنان وعطف الأبوة، يساعدهم في حل مشكلاتهم الخارجية، يهيئهم لمستقبل ينتظرهم يستروا برؤيته فيما بعد ويتشرفون بزيارته {يُنقل أن أحد الخلفاء أرسل ابنه لمؤدب “تعني المعلم” فلما أُخبر بوصوله قال أوقفوه عند الباب تحت أشعة الشمس ساعات ففعلوا ثم أُدخل عليه وعندما عاد أخبر والده بالمعاملة القاسية التي تعرض لها استشاط الخليفة غضبًا وأرسل وراء المعلم ولما حضر سأله لماذا فعلت هذا بابني؟ قال غدًا سيصبح خليفة فأردت أن أعطيه درسًا كيف يتعامل مع الضعفاء ويحس بمعاناتهم – تربية متقدمة} يشتاقونه في بيوتهم قبل مدرستهم يتعجلون الصباح ليعانقوا ابتسامته، ويصغوا لشرحه مثل هذا يستحق أن يُملأ فوه ذهبًا وتُقبل أنامله ويحترم قلمه {وقد نعت محافظة القطيف في السنتين الأخيرتين مجموعة مِن هؤلاء “رحمهم الله” بعبارات تحمل الحزن والأسى لفراقهم وعدت فقدهم خسارة} هذا المربي يتواصل معهم حتى بعد التخرج، يتعقب أخبارهم ليطمئن على مسيرة مستقبلهم أكثر من آبائهم، وكم يتمنى أن يرى بينهم الطبيب والدكتور الأكاديمي المهندس والمحامي المسجل براءات علمية عالمية والمسؤول السفير والدبلوماسي.
يدخل يومًا إحدى الدوائر لحاجة ويقرأ عبارة “مكتب المدير” يشرع في الدخول وإذا بشاب غيّرته السنون يعانقه بحرارة يسأله من أنت أراك مهتمًا برؤيتي؟ أنا “زيد” صغيرك الذي علمت وربيت، يا لها من فرحة لا توصف حين شاهد زرعه أينعت ثماره وحان حصادها، هذا حقًا المعلم المعني بقول الشاعر: {قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا
كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولًا} فكن هو أو اظفر به تفز.