خاطب والدته وهو يرتجف من البرد: الماء بارد يا أمي.
وماذا عساي أن أفعل؟ لقد تعطلت السخانة منذ يومين. ماذا أفعل. هكذا أجابته والدته.
أكمل حديثه وهو يرتجف: أنا لا أحب الشتاء. لا أحب المطر. انظري ماذا فعل بنا المطر؟! تسربات المطر في كل مكان؛ غرفتي، المطبخ، الصالة، الهواء البارد يلسعنا، البيت بارد كالقطب الشمالي، لا أحتمل هذا البرد!
نظرت إليه والدته وقالت: وماذا أيضًا، هذا هو حالنا، لكن لا تقلق لن تطول أيام الشتاء، فقط أيام وتنتهي هذه الموجة الباردة.
سأتجمد يا أمي، سأتجمد، ماذا ألبس غدًا عند ذهابي للمدرسة، جميع ملابسي أصبحت صغيرة، ضيّقة.
نظرت لصورة زوجها وسقطت دمعتها: رحمك الله يا أبا علي، لماذا غادرتنا مبكرًا؟
نظر علي لأمه وقال: لا تبكي يا أمي، لن أنزعج من البرد. سأتحمله.
(2)
في الفصل كان يرتجف من البرد. سأله المدرس: هل حفظت جدول الضرب.
رد عليه وأسنانه تصطك: لا لم أحفظه.
سأله المدرس: لماذا؟!
أجابه: البرد. بردان يا أستاذ. لم أستطع أن أفتح كتابي.
رفع كتابه. نظر إليه المدرس وقال مندهشًا: لماذا كتابك بهذا الشكل؟!
أجابه: البرد يا أستاذ. المطر يا أستاذ. قلت لأمي أنا لا أحب البرد لا أحبه. (بكى علي).
وقف المدرس ينظر إليه، تنهد. رتب على كتفه وقال: ثق أن أزمتكم ستنتهي اليوم.
(3)
خاطبت نفسها
هل أتصل عليه. هل أرسل له رسالة. لماذا تأخر علينا. نحن في أمسّ الحاجة لمساعدته الشهرية. أنا لا أعرفه ولكنه منذ أن توفي أبو علي وهو يغدق علينا بكرمه وعطائه. لم يتأخر علينا. لم أتصل عليه. ولم أسأله ذات يوم عن اسمه. سوف أرسل له رسالة واتساب لعل الرجل قد غفل عنا هذا الشهر. أرسلت رسالة: أيها الرجل الكريم. أنا لا أعرفك ولكنك لم تبخل علينا. نحن الآن نعيش في أزمة. البرد يحاصرنا من كل مكان. الهواء البارد. تسربات المطر. نحتاج بعض المساعدة لشراء ملابس لتقي علي من شدة البرد. إنه يذهب للمدرسة وهو يرتجف. أخشى عليه. أنت رجل عطاء. نحن بانتظار مساعدتك.
بعد دقائق جاء الرد: عفوًا أيها المرسل. لقد توفي صاحب هذا الرقم منذ 20 يومًا. ورأيت المحادثات السابقة (تم تحويل مبلغ (.) لا تقلق سيكون كل شيء على ما يرام. لقد أوصانا الوالد رحمه الله بمواصلة أعماله الخيرية. لا تقلق.
استلمت أم علي الرسالة. صعقت من الخبر. يا إلهي. كيف لا نعرف عن هذا الرجل شيئًا. رحمك الله يا فاعل الخير.
(4)
عاد علي من مدرسته وعلامات الحزن بادية على ملامحه. كانت أمه صامتة. فسألها: ما بك يا أمي. لا تقلقي لقد كان الجو صحوًا والشمس دافئة. أنا لا أشعر بالبرد الآن. ونظر لزاوية المنزل وجد مجموعة كراتين. فسألها: ما هذه الكراتين يا أمي؟
أشارت إليه بفتحها. ففتحها ووجد بطانيات وملابس شتوية. ومستلزمات الشتاء. ومرت لحظات حتى طرق أحدهم الباب. فتحه علي ونظر إليه: أنت الأستاذ. أعدك أني سأحفظ جدول الضرب. لا داع لتخبر أمي.
نظر إليه الأستاذ وقال: بل لن ندع البرد يحرمك من الدراسة. لقد عرفت بحالتكم. وها هو (السباك) سيقوم بتبديل السخانة وسنقوم بترميم السقف.
نظر علي لأمه. وجدها تمسح دموعها وهي تقول: الآن هل ستحب البرد؟
همسة:
لنبحث عنهم، قال تعالى: [لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [البقرة: 273].