هذا الصنف أسوأ من يرفس النعمة برجله!

تخيلتُ نفسي ولدت في أدغالٍ بعيدة عن العالم، لم تصله حضارة ولا ديانة، ماذا سوف يكون من أمري ومصيري؟ كيف أهتدي لله وكيف أهتدي للدين وكيف؟ وكيف؟ مئات بل آلاف الأسئلة دارت في عقلي. ربما توصلت إلى حقيقةٍ أو اثنتين، وتعلمت كيف أعيش، لكن هل سوف أعرف نعمة الله في وجود الخالق وبحجم المعرفة التي وفرها الله عن طريق الأنبياء والدين؟!

هناك من يرفس هذه النعمة برجله، يجادل في الخالق ولا يشكره على هذه النعمة، يعيش في عوالم من الشكوك؛ لا أدري، لا أعترف ولست متأكدًا! {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ۗ وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ}، أترى أن نعم الله هي – فقط – اللباس والأكل والشرب وما شاكلها؟ هذه النعم لم يحرم سبحانه وتعالى البهائمَ منها فكيف يحرم البشر؟! إنّ ما خفي من النعم أثمن وأهمّ من الأكل والشرب واللباس!

تعالَ وانظر في معادلةٍ رياضيّة كم هي عظيمة نعمة معرفة الله! عشتَ مائة سنة، عبدتَ الله فيها كلّ لحظة منذ خروجك إلى الدنيا وحتى آخر لحظة فيها ما يعني أنك من أهل الجنة. إذن نسبة طاعتك إلى نسبة جزائك الأبديّ تساوي 100 مقسومة على ما لا نهاية والنتيجة هي صفر. وإذا عكست النسبة – ما لا نهاية مقسومًا على مائة – فإن الجزاء الذي تحصل عليه غير متناهٍ في الكمّ والكيف! هل يفرّط تاجر عاقل في هذا الربح؟

نصيحة مختصرة لمن يقع في هذه الفخاخ: فكّر وترّجل من على صهوة حصانك! ما أوتيتَ من العلم والمعرفة هو أقلّ من أن تعرف به وتدرك كلّ نعم الله سبحانه وتعالى. لا تجادل في الله بغير علمٍ ولا هدى ولا كتاب منير، بدلًا من ذلك تعرّف وقدّر هبات الله وعطاياه كلها – الظاهرة والباطنة – فإن إنكارها وجهلها أحد المسالك إلى المزالق الخطيرة.

لا يكاد يمر يوم إلا وهناك علانية من يجادل في وجود الله وفي أسسٍ دينية واضحة دون منطق أو علم! فإذا ابتليتَ بالجهل وبنكرانِ هذه النعم لا تجاهر، ولا تحثّ غيرك على ذلك، فإن من سوء الأدب حثّ الناس على نكران الجميل. الشكر على أبسط الأشياء سلوك سليم وحضاري، كيف إذن بنعم الله الكثيرة، وأكبرها معرفته؟ لا تنكرها وحثّ غيرك على شكرها بدلًا من نكرانها!



error: المحتوي محمي