«الحب عذاب» تكاد تكون العبارة الأشهر التي احتلت جدران البنايات، وعلى مرور سنوات طويلة، وتوازيها عبارة «الحب بلاء والعشق سم قاتل»، كما تصدرت الجدران أسماء لشخصيات نسائية ورجالية، كان الرجل هو «الكاتب» تعبيراً عن إعلان مبهم لمحبوبته، الجداريات أو ما يسمى «أدب الشوارع»، أطلقته شرارة الحب، ليكون تخصصها لسنوات طويلة، حتى دخل «أدب الشوارع» في مجالات عدة رياضية واجتماعية ودينية وسياسية.
ويعتبر «أدب الشوارع» عالمياً حالة تنفيس، وصوت الشعب المعبر عن معناته وحاجاته ورغباته وميوله، ومفضلاته من المقتطفات الأدبية، بما فيها السجالات الشعرية، وكان لتخليص الحسابات جانب من «أدب الشوارع» بين الشتم ورده، التشهير، وتصفية الحسابات الشخصية، ليدخل فن «الجرافيتي» كداعم لهذه الجداريات، بأدواته وطريقته الخاصة، إما برسم شخصيات، أو عبارات بطرق فنية مقتبسة، أو تعبير حر البعض أطلق مسمى صحيفة الشعب، على «أدب الشوارع» باعتباره الناقل للمشاعر السلبي والإيجابي منها.
واتفق الكتاب والأدباء على أن هذا النوع من الكتابة، عبارة عن حالة إنسانية تحكمها المشاعر الوقتية، وأسهمت في انتشار العديد من العبارات والأمثال الشعبية والقصائد، وأخيراً الصور لشخصيات محلية وعالمية، حتى بات كل ما سبق معروف لمن يجهله.
الروائي حبيب محمود في تصريحه لـ«الحياة» أكد على المفهوم العالمي لذلك النوع من الفنون، مبيناً أنها تسمى بالفنون الشعبية ليس بمفهومنا نحن، وإنما بالمفهوم العالمي، وهي الأعمال التي تعبر عن الشعب، وتطرح رأيه، ومنها الجرافيتي، ودلالتها تعتمد على النص نفسه، وبما أننا مجتمع شرق أوسطي عادة ما تكون ضمن المقبول اجتماعياً وسياسياً، وما زلنا متخلفين في هذا الجانب، ولا نستطيع إطلاق مسمى «أدب الشوارع» على ما هو لدينا، فما هو مكتوب عبارة عن مختارات ليست من إنتاج الكاتب الأدبي نفسه، وعليها أن تراعي الجانب الأخلاقي والسياسي، مؤكداً أنه ليس لدينا محترفين من كتاب وأدباء ومتخصصين في «أدب الشوارع»، لتكون العبارات شعر أو نثر من إنتاجهم الخاص، ليس لدينا ابتكار في هذا الجانب، بما في ذلك فن الجرافيتي، الموجود تقليد وليس ابتكار.
وقال: «هي محاولات لإيصال رسالة، ووجهة نظر من جانب من دون آخر، وفي المجتمعات الأخرى أدب الشوارع عبارة عن تنفيس اجتماعي وليس شخصي، وكانت جزء من الحالة العامة الموجودة في الشعب، مثل الكتابات التي صاحبت الثورة المصرية هي جزء من حالة الشعب، وهو الحاصل في العراق حالياً».
وحول التعاطي معها من المجتمع، قال: «المجتمع هو الذي يحكم ببقاء عبارة أو رسم ورسوخها أو محوها من الجدار ومن الذاكرة، هي إجمالاً إذا ما مارسها مبدعون متخصصون ولديهم رسالة ستقدم صورة جمالية، وما لدينا حتى الرسوم على الواجهة البحرية على المستوى الإبداعي بسيط جداً».
وقال مستشهداً بالخطوط والرسوم على جدران المقابر «لدينا في القديح وضعت على المقابر أسماء الله الحسنى وصور الشهداء وتلك حالة عاطفية، هو لا يعبر عن شيء مجرد انعكاس عن ثقافة متدينة للمجتمع، ومثلها ما نراه في الشوارع من آيات قرآنية عبارة ودعاء».
وحول العبارات الأشهر قال: «الحب بلاء والعشق سم قاتل، هي الأشهر إلا أنها عبارة هزيلة جداً في البناء وساذجة، حتى الفن الشعبي يتسم بالرقي، وبإمكان تلك العبارات أن تدل على الصراعات والاختلافات، وهي في النهاية كتابات على الجدران ولا ترتقي لمستوى الأدب».
بدوره، عرف الشاعر جاسم الصحيح «أدب الشارع» أنه «الأدب الذي نجده مكتوباً أو منحوتاً على الجدران سواءً كان شعراً أو نثراً أو أغاني أو ملصقاً فنياً، أو غير ذلك من الكتابات التي نجدها على تلك الجدران في الأماكن العامة والشوارع، هذا الأدب دائماً ما يجيء أشبه ببيت القصيد في القصيدة، أي أنه خلاصة مكابدة إنسانية، انصهرت كلها في عبارة صافية كاملة المعنى والمبنى، إنها استجابة لوخزة ألم بوخزة فنية جمالية عالية».
وعن أنواعه، قال: «هناك أهداف عدة لهذا الجنس من الأدب، ولا يمكن أن نحصره في هدف واحد، أحد هذه الأهداف هو التعبير العلني عن معاناة عامة يراد لفت الانتباه إليها، عبر بيت شعر أو عبارة حادة أو مثل صارخ، الهدف الآخر من وراء أدب الشوارع يمكن أن يكون مجرد البوح للتنفيس عن معاناة نفسية يعيشها كاتب العبارة، وقد يكون الهدف سياسياً أيضاً، فالجدران مثل اللافتات الثابتة التي يمكن أن تتجلى عليها الشعارات التحريضية المكتوبة كتابة أدبية».