ورد عن الإمام علي الهادي (ع): إِنَّ اللهَ إِذا أَرادَ بِعَبدٍ خَيرًا إِذا عُوتِبَ قَبِلَ (تحف العقول ص 481).
يذكر الإمام الهادي (ع) مفردة من منهجه التربوي والتهذيبي للنفس وتوجيهًا في طريق التكامل الأخلاقي ألا وهو قبول النصيحة والنقد الإيجابي من الطرف الآخر، وقد يقول قائل: قبول التوجيه من الأمور البسيطة التي لا يتصور أن أحدًا يرفضها وهي تصب في مصلحته وطريق نجاحه، فالإصرار على الخطأ ورفض التصحيح والتعديل مطب لا يقع فيه عاقل، فمن نبهنا لوجود حفرة كبيرة أمامنا وقد نسقط فيها، فبالتأكيد سنستمع لقوله ونبتعد عنها، بل يكفينا وجود علامات مكتوب فيها التحذير من تلك الحفرة وغيرها لنغير في مسارنا، فهل يعقل أن نرفض نقدًا يتعلق بتصرف أو فكرة صادرة منّا؟!
من يرفض النصيحة لا ينظر لها بزاوية الشيء الإيجابي والعطاء المهدى له، وإنما يرى فيها استنقاصًا لشخصيته واستصغارًا لطريقة تفكيره ولذا لا يسمح لأحد – في نظره – بالتجاوز والتطاول عليه، فالمشكلة تكمن في نظرة الإنسان لنفسه إذ يرى البعض أن النصح والنقد يناسب شخصية الطفل الذي لا يعرف مصلحته لضعف في مستوى قدراته العقلية وقلة خبرته بالحياة، أما من لا يقبل النقد فيشعر أنه صاحب عقل يستطيع من خلاله تمييز الخطأ من الصواب ولذا فهو لا يحتاج إلى نصح من أحد، وتبرز المشكلة جلية عندما يكون مستوى التضخّم في الذات عاليًا فيرى نفسه أقدر على تمييز الأمور وتقييم الخطوات أكثر من غيره.
ومن العوامل المؤدية إلى رفض النقد الإيجابي هو أن يكون صاحب شخصية صعبة يتمسك بوجهات نظره ومواقفه ولا يمكنه – بأي حال من الأحوال – أن يعترف بالاشتباه فضلًا عن ارتكاب الخطأ، ولا يبعد عن تصورنا حال هذا الإنسان في تخبطاته في متاهات الحياة والأزمات التي يمر بها، بل ويدير وجهه عن الاعتبار بأحوال الآخرين ولا يستفيد من تجاربهم؛ لأنهم بنظره قاصرون عن الفهم ولا يمتلكون فهمًا ثاقبًا (عبقرية) مثله، ومن لا يستفيد من آراء ونقد العقلاء لن يكتفي بالإعراض عن جمال فكرهم بل سيكون في الضفة الأخرى لهم ويحاول أن يعوض خيباته وضياعه في وسط لجج المصاعب بالتهكم والسخرية مما يعرضونه من توجيه.
النقد الإيجابي ومضة تنويرية في دروبنا وتضيء لنا على نقاط لم نلتفت لها أو فهمناها بنحو خاطئ، وشرط الحصول على هذه الإنارات هو أن يكون المرء صاحب أذن واعية فيستمع لوجهات النظر المختلفة ومن ثم يلجأ إلى تصفحها وتمييز الغث من السمين منها.
والأسلوب الجميل الذي تقدم به النصيحة أمر مهم يسهم في تقبل الطرف الآخر لها ولا يمتعض أو يرفض الاستماع لها، إذ هناك من يقدم النصيحة بطريقة مجة وبكلمات قاسية يشعر معها بتقصد إهانته أو تكسير مجاديفه والوقوف في طريق ناحه وآماله، وفي الحقيقة فئة من الناس تلعب على الوتر الحساس عند الآخرين (أعداء النجاح والمرجفون) ويحاولون الضغط عليه نفسيًا من خلال تصوير طريقه وكأنه نفق مظلم وطريق ضياع لا فائدة منه، ولذا ينبغي علينا أن نمارس النقد الإيجابي لا السلبي فننتقي الأسلوب والكلمات التي تشعره بصدق محبتنا له واهتمامنا بتجنبه مواطن الزلل، وما يقع من توجيه الوالدين لأبنائهما لابد من الالتفات فيه إلى أهمية احترام شخصيته وتجنب تجريحه وتعنيفه بالألفاظ المسيئة، فنحن لا نشك في محبة الوالدين والآمال التي يعقدانها على رؤية أبنائهما عبر نافذة المستقبل الواعد والزاهر، ولكن تقديم النصيحة يحتاج إلى الوقت المناسب البعيد – كل البعد – عن لحظات الانفعال الشديد أو التعب، كما أن الحفاظ على أسرار الآخرين ومنها أخطاؤهم ينبغي حفظها عن مسامع الغير فالنصيحة حينئذ تصبح فضيحة ونشر الغسيل على السطوح!
والنقد الإيجابي والنصيحة الجميلة أضحت عند بعض الناس فتيلًا لنار المشاحنات والخصومات والقطيعة، إذ تتحول إلى تبادل للاتهامات وتصيّد الأخطاء والضرب تحت الحزام!
ونختم بالإشارة إلى طرق تقديم النصيحة لضمان تقبل الطرف الآخر لها، فيقدمها على شكل تساؤلات مثارة يمكنه من خلال التأمل فيها أن يصل إلى النتيجة المطلوبة، أو على شكل اقتراحات دون الاقتحام المباشر لرأيه، وتبقى المسؤولية في نهاية الأمر على عاتقه وعليه أن يتحمل نتائجها.