من الجمعة إلى الجمعة.. الشخصية النموذجية

الحياة زمن.. والزمن قيمة، والقيمة أهداف، والأهداف إما تطلعات تتحقق أو مجرد أضغاث أحلام تتبدد.. الأمر يعتمد على حسن التخطيط أو عدمه.

قيمة الوقت في استغلاله، وهي القيمة التي تحدد هوية المرء، وتعطي للحياة معنىً ووهجً ممتدًا.

الحياة عبارة عن ساعة زمنية تدور وتدور ولكنها لا تتوقف من أجل أحد، فهي تطوي معها الأزمان وتخلف وراءها الماضي إما للنسيان وإما لذكرى حسنة تدوم وبصمة تترسخ، ترسم القيم التي يخلفها الإنسان حين استغل وقته وانتفع، ونفع غيره، فجعلته حيًا يستحق جدارة الحياة الدائمة، وإن طوته الأرض.

يملك الإنسان ملكات ذاتية كامنة متساويًا مع غيره من بني البشر -إلَّا ما قدر الله تعالى- وما عليه سوى تفعيلها لكي تتفجر، وهي تبدأ منذ الصغر من خلال الميول الذاتية التي تحتاج الراعية والاهتمام والتوجيه، وأن ينطلق للحياة محصنًا مميزًا للقبيح والحسن.

وهنا تبرز قيمة الوقت، من خلال منهجية التطلعات، وترتيب الأولويات تماهيًا مع المرحلة العمرية التي يمر بها المرء، وألا يغفل في الوقت نفسه أن يستمع لما يختلجه من رغبات فطرية مرادفة تدفعه لإظهار ملكة بعينها أو أكثر يبدع فيها من خلال الممارسة والمشاركة مع الآخرين المتماهين معه.

إن عدم المعرفة بقيمة الوقت وأهميته يؤدي إلى الفشل في تحديد الهوية الذاتية، ويربك الأولويات وربما يرتد ذلك سلبًا، مسببًا الإحباط وضياع الفرص المتاحة وبالتالي الركون للفشل واليأس.

وهذا ما يجعل الإنسان يقع في دوامة، بلا دليل ولا سبيل،، يدور حول نفسه ليجد أنه قد فقد الماهية والهوية وقد أهدر وقته في الفراغ القاتل والذي ربما يجعله يسلك سلوكًا منحرفًا عن الجادة القويمة.

ويأتي ترتيب الأولويات حسب أهميتها بين المهم بعد الأهم والأوجب قبل الواجب، بعيدًا عن التسويف وسوء التقدير المربك.

فعلى المرء أن يتعلم ويتفقه ليعرف واجبه نحو ربه ودينه، وأن يمارس هواياته التي لا تتنافى مع ذلك ولا مع السلوك الذي تربى عليه، كما أن عليه تشكيل شخصيته عمليًا من خلال انخراطه في مجتمعه المحيط ومخالطة الناس وبناء علاقات اجتماعية نافعة لذاته ولمجتمعه بما يمتلكه من مقومات وقدرات، حتى تتشكل شخصيته، وتكون لها مكانة وقيمة يشهد له أبناء مجتعه بها ويقدرونه عليها، لا أن يتردد وينعكف ويعزف عن ذلك، وعندها يهمشه الناس ويتجاهلونه تلقائيًا، ثم ينسونه مهما كانت قيمة ما يملك وما يحمل من اسم.

قيمة الوقت تظهر في كل مرحلة بناء على ما يخططه ذلك الإنسان لكل مرحلة من مراحل عمره، حتى تأتي المرحلة العمرية المتقدمة ليجد نفسه أنه لا يزال يملك الكثير مما يجعله فاعلًا ومتفاعلًا، ومثالًا للإنسان الحقيقي الذي يجعله الشخصية النموذجية التي يقصدها أبناء مجتمعه، وأن يكون مرحبًا به، وذا حضور شخصي محترم ولافت، ومرحبًا به في أي زمان ومكان، وأما ذلك الإنسان الذي يفتقد الهوية، والتي ضيعها بنفسه حين ضاع منه الوقت وترتيب الأولويات وأهميتها من أن يفرض نفسه فرضًا على الآخرين بالمزاحمة والصراخ ومحاولة فرض الذات الهشة التي لا يمكن أن تظهر مهما حاول وكابر وعاند حقيقته.

وقفة:
القائد الناجح هو الذي لا تشعر بغيابه..
والقائد الفاشل هو الذي لا تشعر بوجوده..



error: المحتوي محمي