تحرص العائلة على تسجيل أبنائها في المدارس بهدف التربية والتعليم والسعي نحو حياة هادفة ومستقبل جميل ومريح خالٍ قدر الإمكان من ضنك العيش، نتيجة الجهل والفقر والضياع وأسباب أخرى، كالذي تعانيه شعوبٌ عديدة في شرق العالم وغربه من المبتلاة بالمشكلات والنزاعات الداخلية والخارجية، دون إغفال جهود رفقاء السوء وأثرهم السيئ في محيطهم، وهذا صحيح ولكن لا يمكن تأكيد حصاد التطلّعات والأماني دون التركيز على الهدف في كل الظروف والأوقات.
تحقيق الأهداف ليس مثل البذور تقطف ولا السمك يصطاد، بل هو إصرار وتحدٍ لا هوان فيه ويتطلب سجالًا من العمل والتعب واليقظة المتواصلة.
التربية والتعليم في الوقت الذي ينظر إليها على أنها اليوم أسهل من ذي قبل، يبدو أن التشتت الفكري؛ من ازدحام الأجهزة اليدوية واللوحية والقنوات والفعاليات البصرية والصوتية الترفيهية تشغل حيزًا ثقيلًا في صدور فلذات الأكباد وتسرق أوقاتهم. مع ذلك، ثمة نقاط على السطر لا بد من الإشارة لها بفخر واعتزاز، حيث نلحظ الزيادة في أعداد الموهوبين والمتفوّقين من المحافظة عامًا بعد عام، مع توفّر أدوات مساندة تبرز هؤلاء الفتية وترفع إنجازاتهم لتنهض وتعلو حتى في المحافل الدولية.
نتمنى أن نشاهد التنافس على مخرجات التربية والتعليم بين المناهج الشاملة الحكومية والأهلية. والسؤال المشروع، لماذا تغيب عوامل الجذب وينفر البعض من المدرسة والدراسة؟
في المجمل، طيف واسع من الناشئة والشباب، حتى من ينال فرصًا غير متاحة للجميع، يتوقّف عن طلب العلم متى ما تعب من هضم المواد وتشرّب بمصطلحات الصعوبة والتعقيد وعدم الفائدة، التي تأخذه إلى مسار التخلّي عن القراءة والتمعّن الفكري العلمي، دون الإساءة لمن واجه ظروفًا قاسية أرغمته على سرعة الدخول في مجال الكدح والعمل العام بلا حول ولا قوة.
ثلّة من هؤلاء قد ينجحون في الحصول على وظيفة متصاعدة وآخرين لربما يجتهدون بشتّى الطرق لنيل شهادة تساندهم في الوصول إلى وظيفة أفضل. هذا العدد الذي قد يدرج ضمن الناجحين والأطباء والمهندسين والمختصّين، اندمجوا ضمن فرق العمل التنموية، ومغروس بين خلاياهم مفهوم النقص وعدم المعرفة، مما ينعكس بشكل سلبي كبير على ما يسند إليهم من مهام إدارية وتنفيذية مؤثّرة على جودة الحياة والمجتمع.
من البديهي القول بأننا نقبل الجودة العالية التي تضمن الاستفادة القصوى من العمل والمنتج سنوات أطول مقابل جودة أقل تتطلّب صيانة وإصلاحًا متكررًا. ومن المهم تفعيل مسار التدريب والتطوّع المهني بشكل واسع من أجل كسب الخبرة وتعزيز المعرفة إضافة إلى المشاركة في الدورات والمناقشات؛ لما فيها من كسب الخبرة ورفع مستوى الثقة والمسؤولية. ويبقى السؤال عند الحاجة، مع أن له الألوية، هل تقبل أداء ذا جودة متدنّية من المواطن ابن البلد؟
يمكن القول بأن الانتقال من الفترة التعليمية إلى المجال العملي ليس مفروشًا بالورود، وقد تسير الأيام والسنون وأنت تبحث عن مصدر رزقك ولا تجده نتيجة تغيّر المعادلات الاقتصادية والاجتماعية وتأثيرها على إدارة الأعمال وتشغيلها، رغم الازدياد المضطرد في عدد الشركات والمؤسسات ورجال الأعمال.
في القرن الماضي كانت الحياة أصعب، ولكن الوظائف كما الأعمال مع بعض المشقّة تتوفّر، حيث لاحظنا الهجرة من مدينة إلى أخرى طلبًا للعمل ومن دولة إلى دولة أخرى لممارسة أعمال التجارة، في وقت يمكن وصفه بأن المسؤولية فيه كانت أرفع، واقتناص الفرص كانت تستلزم المهارة لتأمين نسبة مرتفعة من النجاح والاستمرار.
المهارة هي المنقذ عندما تضيق السبل وتفقد فجأة ما تملك من عمل ومصادر رزق، وهذا ما لمسناه عندما واجه البعض الاستغناء عنهم، وأغلق البعض محلاتهم نتيجة متطلبات والتزامات لا تغطيها الإيرادات. كما هي سير الآباء والتجّار وتأسيس المشروعات الخيرية والاجتماعية.
“علمتنا الحياة” اسم أحد البرامج المرئية الرائدة وفيه يسرد الأولاد والبنات مسارات منهكة من قصص الكفاح المتنوّعة تتوّج غالبًا بفرحة أمل ونجاح. ومع محدودية الفرص واشتداد التنافس هل سيساعدنا الذكاء الاصطناعي على إدارة القبول والرفض عبر فرز البيانات الزائفة والمستندات المفبركة التي أسهمت من قبل في رفع من لا يستحق وتقديمه؟
بعد الأربعين والخمسين غالبًا سيجد الإنسان وقتًا لمشاركة أصدقاء الدراسة وزملاء العمل والأقارب والجيران وآخرين في الميدان الاجتماعي الجميل والنبيل الذي انطلق من المجال الخيري، وتفخر المحافظة بأنها هي المنبع ولا تزال جمعياتها ولجانها المتعددة تقدّم برامج دعم للمحتاجين بكفاءة وتميّز واقتدار، ولكن مع ازدياد عدد السكان والموظفين ومستوى الدخل لا نلمس ازديادًا مقابلًا في عدد الأعضاء المشتركين في هذه الجمعيات.
وفي الوقت الذي خططت معظم الجمعيات لتنفيذ مشروعات استثمارية ضرورية من أجل دخل مستمر، نرى أهمية المحافظة على الهدف الخيري الأول وتخصيص نسبة مجزية من إيرادات هذه المشروعات لبند مساعدة الفقراء والمحتاجين.
تعزيز العلاقة المجتمعية وحل الخلافات الأسرية مجال خصب ويحتاج إلى جهود ومساندة من الجميع حتى لا يكثر الخلع والطلاق بين حديثي الزواج وسوء العلاقة بين الإخوة والشركاء، حيث إن غياب دور المؤسسات الحكومية المعنيّة ولجان إصلاح ذات البين الميداني يسهم في ازدياد المشكلات وصعوبة معالجتها.
من المؤسف حقًا أن تتفاقم الخلافات بين الإخوة مما يؤدي إلى فصل الشراكة وازدياد حدّة التوتّر بين الورثة، ومن جهة أخرى هناك مبالغات في الانتقاد وتحويله من الموضوعي الهادف إلى الاستهداف والإساءة والشخصنة التي تصدر ممن يعتقد أنه بمكانة يحق له التعالي. هل يمكن لمحكمة الأوقاف والمواريث التدخّل لمعالجة المشكلات بين الورثة؟
صحيح أننا نشاهد ونسمع وبلا شكّ أن إمكاناتنا البصرية والسمعية والإدراكية محدودة ولسنا في مستوى الكمال، لذا في كل مشهد هناك حقيقة لم تظهر. ما تراه صحيحًا عن قناعة، عليك أن تؤمن باحتمالية أن يكون فقط جزئيًّا صوابًا وربما خالفه.