في صباح ذلك اليوم المرعب منذ أكثر من شهرين تقريبًا استيقظت مدينة إيداهو الهادئة في الولايات المتحدة الأمريكية على جريمة قتل جماعي، كان ضحيتها أربع طالبات يسكنّ في منزل واحد، تسوده أجواء المحبة وتسكنه معالم السعادة، ولكن ظهر أكابر مجرمي هذه المدينة ليمكر بهدوئها ويسلبها طمَأْنينة النفوس والإحساس بالأمان.
كنتُ أتابع أحداث هذه الجريمة لأنها في نفس الولاية التي يدرس فيها ابني وقد كان مسرح الجريمة مُخيفًا؛ إذ كان بالقرب من سكن ولدي -الله يحفظه. وبعد مرور ما يقارب خمسة أسابيع كانت المفاجأة بالنسبة لي عندما أخبرني ولدي أن الشرطة استطاعت القبض على قاتل الفتيات، والغريب أنّ القاتل أستاذ جامعي مختص في العلوم الجنائية وحاصل على درجة الماجستير فيها وهو الآن طالب دكتوراه في جامعة واشنطن. يعمل أستاذًا مساعدًا من ضمن أعضاء هيئة التعليم في جامعة مدينة إيداهو بولاية واشنطن الأمريكية، هو الآن متهم بأربع جرائم قتل من الدرجة الأولى وجناية سطو على منزل آمن، وقد ترك هذا المجرم خلفه ما يدينه على مسرح الجريمة بالرغم من تفوقه في علوم الجريمة والبحث الجنائيّ!
كان طالب الدكتوراه برايان المدرس المساعد بجامعة ولاية واشنطن موضع ريبة من طلابه، ولديه هوس كبير بالجرائم وكان يلعب بوكسينغ لشعوره المستمر بالغضب، لذلك ترك خلفه ما يدينه بعد أن قتل الفتيات المسكينات.
أراد الله أن ينتصر للعدالة ويُعاقَب الجاني على الرغم من تمرسه في علم الجريمة فقد استطاعت الشرطة القبض عليه بعد التحري عنه وملاحقته بعد فراره من مدينة إيداهو.
ربما كان الخوف الذي صنع للحق أجنحةً خفقت فحلّقت في سماء العدالة. فقد أكّدت نتائج التحقيقات أن القاتل وجد نفسه في خطر شديد، والخائف أمام الخطر يفكّر بساقيه فتحوّل المعلم الحكيم إلى مجرم هارب من العدالة، وأراد الله تعالى أن يغلق ستار هذه الجريمة بالقبض على مرتكبها، وألا يواصل ارتكاب جرائمه بعد تبحّره في علوم الجرائم يقول الله تعالى : {وَ قَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ} [سورة الحجر : 66].
إنّ القدر الذي يمنح البعض ارتكاب المحظورات يمنعهم من الاستمرار في طريقها لسبب أو لآخر، هيهات أن يبقى للجريمة صوت حتى وإن صاحبتها جميع الاحتياطات وارتدت لباس الإتقان لأن علم الله تعالى فوق علم عباده وَ فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ يحرسنا وينجينا وقت غفلتنا.