من الجمعة إلى الجمعة.. الجمعيات الخيرية والمربعات الفارغة!

مع كامل التقدير والعرفان لأعمال الجمعيات الخيرية للخدمات الاجتماعية، والرجال القائمين عليها في كل نواحي الوطن، والخدمات الجلية والجليلة التي تضطلع بها، إلا أننا نرى أن هناك مربعات لا زالت فارغة، وهو ما يثيره مسماها الكامل، والجهة المنتسبة إليها.

فحين يكون العمل مقصورًا على مساعدة المعوزين كعصب وأساس لأعمالها، وإن تفرعت هنا وهناك بعض الأنشطة والمشروعات التي في غالبها ربحية، فإن ذلك لا يغطي المساحة أقل مما يوحي به الاسم شمولًا.

الخدمات الاجتماعية تعني أن تكون أبواب الجمعيات منفتحة على حاجات أخرى للمجتمعات وللمواطن، وليس لازمًا أن يكون فقيرًا معوزًا.

ربما يقول قائل إن أنشطة الجمعيات محددة من قبل جهة الوزارة المعنية بها، وهو معنى فيه قول، ونقصد بذلك ألا يبقى الحال جامدًا كما هو عليه، فبقدر ما تتغير الحياة وتتطور، فإنه من الضرورة بمكان أن تتطور النظم بانفتاح الأفكار والرؤى تباعًا، لتتولد منافع وخدمات تنموية أخرى أكثر حيوية وإشراقًا، بحيث تشمل شرائح مختلفة من المجتمع نساء ورجالًا وفي مختلف الأعمال، وسوف تصب المصلحة في صالح الجميع، وبما يتطابق شكلًا ومضمونًا مع مسمى الوزارة المسؤولة عن الجمعيات الخيرية وهي وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية.

المساعدات العينية والمادية ورياض الأطفال والمستوصفات ورعاية الأيتام والأرامل ، وبعض صالات الاحتفالات والأنشطة الأخرى التي تتباين بين جمعية وأخرى ، مقدرة ومشكورة ولكنها غير كافية، ولا تغطي المعنى الذي يحمله الاسم المفتوح تمامًا. فهناك كبار السن والعاطلون، والشباب الذين يحتاجون للتوجيه، وكذلك النساء من مختلف الأعمار اللائي لا شغل لهن سوى في البيوت مع ما يملكن من أوقات الفراغ والقدرات والمواهب ما لو استغلت لانتفعن بها وانتفع بها المجتمع النسوي حصرًا.

برامج التدريب على المهن الحرفية أو التعليم، والأندية الخاصة بالجنسين ومساعدات الزواج، وغيرها من الأفكار، والتي يجب -في جانب منها- أن تركز على الشباب الذين يمتهنون الفراغ، بلا دراسة ولا عمل سوى التسكع هنا وهناك لإشغال ذلك الوقت بالسراب دون التفريق بين الليل والنهار، هؤلاء هم من يحتاجون الرعاية من خلال برامج جدية وقيمة ترشدهم وتساعدهم في العودة للحياة وتؤهلهم للمستقبل الذي يتمنونه أو ربما لن يفقهونه أصلًا إلا متأخرين وبعد فوات الآوان.

إننا بهذا الاهتمام بشريحة الشباب والشابات نخرج سواعد قادرة على خدمة مجتمعاتهم وبالتالي وطنهم، وعلى القائمين على الجمعيات ترغيبهم وتحفيزهم، وإقناعهم من خلال البرامج الموضوعة بقيمة الأعمال الحرفية والتي تكاد أن تكون بالكامل في يد الأجنبي.

في الفترات الأخيرة، رأينا شبابًا كثرًا اتجهوا لهذا النوع من الأعمال مثل الميكانيكا والتكييف والتسويق، والأسواق الجائلة التي غطت مساحات كبيرة، وكذلك التسويق الإلكتروني، وكل ذلك باجتهادات شخصية أو مساعدات الأهل، وهو أمر يحسب لهم، إنما ذلك لا يغطي المهن الحرفية الأخرى، أو أن تُبتدع مهن جديدة أوسع نطاقًا.

كذلك أندية كبار السن والمتقاعدين ضرورة ملحة، وفكرة تستحق الاهتمام، وقد رأينا بعضها في مجمعاتنا سواء باجتهادات شخصية أو جماعية، أو مؤسساتية وهو الأفضل والمرجو حيث يحافظ ذلك على ديمومتها، تمامًا مثل ما يحدث في بعض المجتمعات العربية وجميع الدول الأجنبية تقريبًا.

إن هذه الفئة من الناس هي الأكثر حاجة للاهتمام والرعاية، لأن الفراغ قاتل، ولا يكفي أن تلتف العائلة -إن حدث- حول أحدهم، فمعاشرة الناس حياة أخرى، ولكل مرحلة عمرية متطلباتها، والأندية هذه سوف توفر لهم مكانًا رائعًا يعيدون فيه نشاطهم وحياتهم ربما يغنينا عن دور المسنين والتي يقطنها الغالبية ممن تردت حياتهم النفسية والصحية لأسباب مختلفة والتي ما كانت لتحدث لو أن بعض من فيها توفرت لهم الراحة والأنس والرفقة الجميلة مع البشر.

إذًا هناك إمكانية كبيرة لأن تتوسع الجمعيات في أعمالها، ولن يكون الجانب المادي عائقًا إذا أخذ جانبي الربح والخسارة في الحسبان، وعلى المعنيين ألا يضعوا العوائق والمثبطات أمام الأفكار والتجديد، فمن الأفضل أن يتابعوا ويفتحوا صدورهم وعقولهم لأي رأي وفكرة ومقترح، وأن تتواصل الجمعيات مع بعضها لتبادل الرؤى، وأن يفكروا حول طاولة مستديرة ويتلقفوا الآراء ويدرسوا الجدوى من أي فكرة ورأي، ويأخذوا منها الممكن فالممكن، ولن تقف العوائق حجر عثرة في الطريق، وبالذات العائق المادي، والتي سوف تكون جزءًا من المصالح المتبادلة.

كما أن عليهم ألا يترددوا في الاستعانة بالمختصين والكفاءات القديرة لكي يساعدوهم في تطلعاتهم، وليس بالضرورة أن يكونوا في مجالس الإدارات أو أعضاء في اللجان، بل يكفي الاسترشاد بهم أو تكليف بعضهم لمهمات محددة، والظن أنهم لن يمانعوا في أن يخدموا مجتمعاتهم.

وقفة:
لا أعلم مدى الصعوبة التي سيتحملها صاحب الباص الذي يقل طلاب المدارس وبالذات الطلاب صغار السن؛ لكي ينزل ويدق جرس المنزل ويتسلم الطفل بيده أو بيد مساعده ويركبه، بدلًا من أن يزعج البشر من الصباح الباكر وهو يدق بوق الباص والذي يبدله عمدًا بآخر له صوت منفر ومزعج ونشاز يبلغ جميع أركان الأرض.



error: المحتوي محمي