أيام ديسمبر

في ليالي ديسمبر الباردة، ومع اقتراب انتهاء موعد قد عقدناه قبل تفاني السنة الحالية ثمّة نص ممزوج ببعض المشاعر، يُعانق أصابعي، يضجّ بي لإيصال فكرة قد تحصل للبعض، والتي تكمن في أنّ بعض الفرص الفاشلة في حياتنا من العلاقات أو الأمور الحياتية الأخرى قد تعطينا درسًا قاسيًا لكنّها لا تُفقدنا الأمل في أن نُلاقي يومًا أحدًا يملأ حياتنا بالورود والحب والعطاء مع شخص قد لا نتوقعه، وتجمعنا به الحياة في أماكن لم تكن على البال، وأوقات قد يكون اليأس أخذ منّا كلّ مأخذ في أن نلقى يسكننا الأمل فيها، فكانت الأبجدية تعزف ألحانها في شهر ديسمبر؛ لأنّ المشاعر الباردة التي قد تتحرك فجأة بدون إنذار مُسبق.

‏في ليلة كحلاء داكنة، والهواء فيها باردٌ مُرعب في أزقة البلدة قريبًا من البحر، مع أصوات آلة العود مصحوبة بعزف القانون العربي وتداخلات تُشبه صوت الأغنيات، ورائحة الحطب في وقت تخدّر الشاي ودفء المشاعر في ارتداء المعاطف، واختلاط رائحة خشب الصندل بالعود والعنبر.

‏أتيتِ أنتِ برائحتك المسكية المُتفردة!
‏ما زلت أتذكر أول مرة رأيتك، كيف أنّ صحراء عذابي تحولت لبُستان زاهر بكلّ الورود، وأغنيات الطيور، وصوت تلاحق أمواج الأنهار، واتّصال قنوات البحر.

‏لم أستطع أن أرمش وقتها بالرغم من أن الهواء أصاب عينيّ بالجفاف إلا أنني فضّلت الموت على أن أضيع نظرة عينيك.

‏بالرغم من ازدحام المكان إلا أنه قد أصبح النّاس هباء حيث إنّني لم أعد أبصر أيّ شيء سواك.

‏مرّ يومي، وأنا غارق أخذت أحدّث كتابي عنك، وأتى يرد جوابي.

‏لقد رأيتها كانت جميلة للحد الذي يجعلك تود لو أن تكون رذاذ عطرها، أو معطفًا ترتديه، هواء يدخل الرّئة، ويقرُّ فيها.

‏مرّت الأيام، ومنَّ الله عليّ أن أحدثها، وأقول:

– عزيزة القلب، كيف ترين الحُب؟

-الحُب؟ أأكلة هذه “وقد ضحكت”، لتبوح في ارتعاشة النّبضات: إن أمر الحُب أشبه بالخُرافة لا أؤمن بتبادل المشاعر، ولا أستطيع ربط بهجتي بنظرة عين وهبّة عطر، إنّ الأمر محتوم، لا شيء في حياتي سوى ذاتي.

– ولكن من وجهة نظري فإنّ الأمر يختلف قليلًا.

‏دعوني أخبركم شيئًا، وإن كان الأمر صدقًا، إنّ الحياة أجبرتني لأسمع ما حكته، كأنّه تحدٍ إما أن تعجب بي، أو أنّ هذا الموت أمامي.

‏طال الحديث، والأيام كانت كفيلة بأن تجعل قلبها يُؤمن قليلًا فأخبرتني: “لقد أهديت أحدهم قلبي”.

‏كانت ترددها، وهي تجذب الحسرات، وتأخذ التنهيدات واحدة تلو الأخرى حتى هدأت حواسها. فأخذها الحديث لحالة بكاء استنفارية. فخاطبتني قائلة: ‏أقسم أنّي قد أهديته قلبي، وروحي، وعيني، وكلّ ما أملك.‏ أهديته نفسي، ومشاعري حتى عقلانيتي التي سلبني منها كان جاحدًا بي “وهي تخرج نفسًا عميقًا”.

‏أخذت تجذب أطراف الحديث واحدًا فالآخر، وكأنّها قنينة هواء مضغوطة، كانت تبحث عن متنفس لها! إلى أن غفت عيناها، وذهبت أنا.

مرّت الأيام سريعًا دون هوادة، تناوشنا، ابتسمنا، والتقينا من جديد بعد كلّ الذي شعرنا به، انتهينا من أعمالنا، ومضينا بابتسامة. ‏فإذا بهاتفي يرن!

– أنشرب كوبًا من الشاي؟

‏- متى؟

‏- الآن.

‏ذهبنا من جديد عند اصطدام أمواج البحر، وريح البرد القارس، تكلمنا عن مشاكلنا، وحللناها بحب وعهود جديدة، وما زالت علاقتنا مُربكة، أنا ذلك الشخص الذي تبكين عنده، وأنت ذات الشخص المُغرم به، وأنا لا أعرفه.

‏مرّت الأيام سريعًا بطولها المتناقض إلا معك أنت أقصر من القصر بحد ذاته “مصحوبة بضحكة استهتارية”.

‏واعترفت لنفسي أنّني أنا المُغرم بالجميلة الهادئة، وأنت لا تعرفين، ولن تعرفي.

‏وفي نهاية مطافي هذا، وقبل ابتداء السنة القادمة، أود تنويهك:

‏- مرحبًا

‏أهلًا بعزيز الروح!

‏- ألن نلتقي هذه اللّيلة أيضًا؟

‏-لا، أفضّل الحديث بعيدًا عن الأعين.

‏- لِمَ؟

‏- لا أحب التّلاقي كثيرًا والظُهور.

‏- حسنًا دعيني أخبركِ تنويهًا لن يصلكِ، أو ربما يصلكِ بعد فوات الأوان. ‏عزيزتي، الدنيا قد تأخذ مركبنا نحو ديار لا مرسى فيها، والوقت فيها يمرّ صعبًا، ولكن كوني على يقين بأن مركبك سيوقفك عند مرساي، وستلقين سلامًا، وألقي سلامًا. ‏وأنّ الحب أمرٌ لا محال ولا مهرب منه فلا تخشي البوح به، وسأكون لك بردًا وسلامًا من النار، ومعطفًا تنجوين به من ريح البرد القارس؛ ‏لذا إن أحببتِ سأكون أنا ذاك الذي يُنسيكِ مُرّ الحياة، ويعيش تفاهتها بجديته، يُلقي نكاتًا لا معنى لها في عز بكائكِ، ليرى ابتسامتك المصحوبة بغرغرة العين، فكوني لي أملًا أحيا به في أيامي الصعبة، وبسمة أخرجها في أحاديثي المُربكة الطويلة وسدًا أملأ به ثغراتي الغريبة الكبيرة.

‏وصلة حياة لمن لا حياة له.. سواكِ

‏أحبك عهدًا طويلًا، وأملًا ويقينًا في “أيام ديسمبر”.



error: المحتوي محمي