ثرثرة فوق المعتاد

يقول الكاتب دوستويفسكي: “إن كل امرأة تدّخر لزوجها بعض الخطايا القديمة لتستعملها في الوقت المناسب”.

‏إنّك قد تقلّب عينيك بين الأرض والسماء في رحلة بحث عميقة تبرر لكَ احتفاظ الزوجة بإساءة زوجها لها، مما بجعلها تعيد شريط ذكرياتها مجددةً سيناريو مضى، قد أكل عليه الدهر وشرب ثم تكتشف بعد ذلك أن هذا الأمر ما هو إلا ثرثرة فوق المعتاد.

لا أعلم لماذا تُفتح ملفات قديمة بين الزوجين؟ ولماذا يُدار الحوار ذاته؟ هل لنخرج بخلافات ومعارك جديدة؟ أم لإضافة ‏محصّلة مؤلمة جديدة نراها في بطون المدارس اتخذت شكل أطفال امتلأت جعبتهم بالعقد النفسية!

قد نفشل في إدارة حوار نخرج من خلاله بحلول منطقية؛ لأننا نفتقد احترام الرأي الآخر، ونبالغ في تسفيهه، فضلًا عن رفض الاعتراف بالخطأ ثمّ أضف لذلك الكبرياء اللعين الذي يفضي لهدم بيوت العز.

لذلك اهتم الإسلام بإخراج البيت المسلم بأكمل وجه، وجعل من شروط نجاح الحياة الزوجية اختيار الزوجة الصالحة التي تتسم بالعفاف ويزينها العلم والتقوى لا الجمال فحسب.

يقول ‏مصطفى لطفي المنفلوطي: “إن الرجل يحب المرأة الفاضلة أكثر مما يحب المرأة الجميلة؛ بل لا يعرف للمرأة جمالًا غير جمال الأدب والعفة، وإن زعم في نفسه غير ذلك!
وباعتبار العائلة المدرسة الأولى للإنسان يأخذ منها دروسه الاجتماعية، وجميع انفعالاته حصيلة مواقف مرّ بها من خلال التعايش فيها لذلك حرص على الرحم النقي، الطاهر الذي يُقيم فيه الطفل منذ بداية تكوينه علقة صغيرة.

وهل وُجد الزواج الناجح إلا من أجل هؤلاء الأطفال؟!
‏”تخيّروا لنطفكم فإنّ العرق دساس” العرق دساس، والأفعال أسرع بالثبات، والتربية أصول يضعها الثقاة، وهيهات أن تخرج شجرة الشيطان ثمارًا يانعة بالجمال.

لقد فرح الإمام علي كثيرًا عندما وافق الرسول الكريم على زواجه من السيدة الزهراء، فمصاهرته للرسول أمر أسعد قلبه ودخول فاطمة لمنزله شرف عظيم خاصة بعد أن خصّه الرسول بهذه الميزة وقد رفض بعض أصحابه عندما تقدم بعضهم لخطبة السيدة الزهراء.

إنّ بيت فاطمة عنوان كبير للرسالة الإنسانية والإسلامية، وقد عُبّد طريق الإسلام على أكتاف أفراد هذا البيت الكريم الأصل.

كان أمير المؤمنين يناديها: يا بنت رسول الله
وتناديه: يا أمير المؤمنين.
إنّ نجاح بيت فاطمة الزوجيّ ما هو إلا نِتاج تربية الزهراء في حضن والدها السامي وهذا ما أكده خبراء العلاقات الزوجية بقولهم: “كلّما كانت علاقة الفتاة بوالدها جيدة كلّما كانت حياتها الزوجية أقلّ عرضة للمشكلات وتخلو من المطبّات” وإذا كانت المرأة الصالحة درعًا لحماية زوجها فكيف بالزهراء وقد قال النبيّ -صلّى الله عليه وآله وسلّم: “إنَّ هذا مَلَكٌ لم ينزِلْ الأرضَ قطُّ قبلَ اللَّيلةِ، استأذَنَ ربَّه أن يُسلِّمَ عليَّ ويُبشِّرَني بأنَّ فاطمةَ سيِّدَةُ نساءِ أهلِ الجنَّةِ، وأنَّ الحسنَ والحُسَينَ سَيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ”، وهو القائل أيضًا: “حسبُكَ مِن نساءِ العالَمينَ مَريمُ بِنتُ عِمرانَ، وخَديجةُ بِنتُ خوَيْلدٍ، وفاطمةُ بِنتُ محمَّدٍ، وآسيةُ امرأةُ فِرعَونَ”، فما أجمل الاقتداء بمنازل النبوة واقتفاء أثرهم وهم السائرون خلف ركب الوحي، الممتثلون للأمر الإلهي.

والأولى بنا امتثال نهجهم لا طرق غيرهم الواهية. يقول الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: “مَا أَعْظَم فَوْزَ مَن اقْتَفَى أثر النبيين” لكن ومع الأسف الشديد يبالغ الناس في اقتفاء أثر من لايستحق، فيتعرقلون في سيرهم نحو الكمال.

وربما أحسّ القدماء بهذه النكبة الإنسانية؛ لذلك فقد شرعوا في التفكير بتحويل المعادن الرخيصة إلى معادن ثمينة ليضاهوا بها المعادن الأصيلة ولكن هيهات!



error: المحتوي محمي