في فترات الدراسة والعمل تعرّفت على الكثير من أصحاب الديانة المسيحيّة، ومنهم من يتكلم اللغة العربية. لم نجادل ولو مرّة واحدة في الدين إلا بالمحبة والود! أكثر الأصدقاء تفرّقوا بعد طول السنين لكن بعضهم بقي في الذاكرة وفي التواصل.
في هذه السنة هم يحتفلون؛ يعلقون الزينة ويضيئون أشجارَ الصنوبر فرحة بعيد ميلاد المسيح عيسى (عليه السلام) يوم الأحد الموافق 25 كانون الأول/ ديسمبر 2022م. بهذه المناسبة أدعوهم بكل محبة لقراءة ولادة وحياة السيّدة العذراء مريم ونشأتها ثم ولادة ابنها المعجزة عيسى (عليه السلام) من القرآن الكريم. ما أروعها من سيرة، لم يذكر القرآن سيرة امرأة مفصلة كما استفاض في سيرة العذراء وفي سيرة ابنِها، النبي عيسى (عليهما السلام)!
تعرفون أصدقائي أن في سورة من القرآن اسمها [آل عمران]؟ جزء طويل ومَاتع عن قصة مريم وكَرامتها ومنزلتها عند الله؟! لن أكتب عن حياة مريم وابنها عيسى في هذه الخاطرة لكي لا أفسد عليكم جمال قراءتها مباشرةً من القرآن الكريم، وعوضًا عن ذلك أنقل لكم ما نقله المفسرون للقرآن عن سبب نزول هذه السورة المباركة:
قدم وفدٌ مسيحي من نجران إلى المدينة للتحقيق في أمر الإسلام وكان مؤلفًا من ستين شخصًا، فيهم أربعة عشر شخصًا من أشراف نجران وشخصياتها. ثلاثة من هؤلاء الأربعة عشر كانت لهم صفة الرئاسة، وإليهم يرجع المسيحيون لحل مشاكلهم. أحدهم يدعى “عاقب” ويسمى “عبد المسيح” أيضًا، كان زعيم قومه المطاع بينهم. والثاني يدعى “السيد” ويسمونه “أيهم” أيضًا، وهو المسؤول عن تنظيم برنامج الرحلة ومعتمد المسيحيين. والثالث “أبو حارثة” وكان عالمًا وصاحب نفوذ، وبنيت كنائس عديدة باسمه. وحفظ عن ظهر قلب جميع كتب المسيحيين الدينية.
دخل الوفد المدينة وهم بملابس قبيلة بني كعب، وجاءوا إلى مسجد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان قد انتهى من صلاة العصر مع المسلمين. أثار هؤلاء انتباه المسلمين بملابسهم اللامعة الملونة الزاهية حتى قال بعض صحابة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ما رأينا مبعوثين بهذا الجمال! وعندما وصلوا إلى المسجد كان موعد صلاتهم قد أزف، فقَرعوا نواقيسَهم بحسبِ طقوسهم واتجهوا نحو الشرق وشرعوا يصلون، فحاول بعض أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمنعهم، إلا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طلب من الصحابة أن يَتركوهم وشأنهم. وبعد الصلاة أقبل “عاقب” و”السيد” على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدآ يحادثانِه، فدعاهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الدخول في الإسلام والاستسلام لله.
قالا: قد أسلمنا قبلك.
قال: كذبتما يمنعكمَا من الإسلام دعاؤكمَا للهِ ولدا، وعبادتكما الصليب، وأكلكما الخنزير.
قالا: إن لم يكن عيسى ولدًا للهِ فمن أبوه؟ وخاصَموه جميعًا في عيسى.
فقال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): ألستم تعلمون أنه لا يكون ولد إلا ويشبه أباه؟
قالوا: بلى.
قال: ألستم تعلمون أن ربنا حيّ لا يموت، وأن عيسى يأتي عليه الفناء؟
قالوا: بلى.
قال: ألستم تعلمون أن ربنا قيّم على كلّ شيء ويحفَظه ويرزقه؟
قالوا: بلى.
قال: فهل يملك عيسى من ذلك شيئًا؟
قالوا: لا.
قال: ألستم تعلمون أن اللهَ لا يخفى عليه شيءٌ في الأرضِ ولا في السماء؟
قالوا: بلى.
قال: فهل يعلم عيسى من ذلك إلا ما علم؟
قالوا: لا.
قال: فإن ربنا صوّر عيسى في الرحم كيف شاء وربنا لا يأكل ولا يشرب ولا يحدث.
قالوا: بلى.
قال: ألستم تعلمون أن عيسى حملته أمه كما تحمل المرأة، ثم وضعته كما تضع المرأة ولدها، ثم غذي كما يُغذى الصبي، ثم كان يطعم ويشرب ويحدث؟
قالوا: بلى.
قال: فكيف يكون هذا كما زعمتم؟ فسكتوا فأنزل الله فيهم صدر سورة آل عمران إلى بضع وثمانين آية.
في ودي متابعة الحديث الماتع عن العذراء مريم وابنها المسيح (عليهما السلام) لولا خوف أن تطول الخاطرة على القارئ ويملّ. أما من يرغب في الاستمتاع بمعرفة المزيد من سيرتهما فحبذا لو قرأ كتبَ المسلمين فهي مليئة بأطيب وأصدق الحديث.