الدموع الحمراء

يقول الله تعالى في كتابه الكريم: (إِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ، فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ) سورة (ص) آية: 72.

لكلّ إنسان نظرته الخاصة التي يُقيّم بها حياته وينتج عنها أسلوبه في العيش. وإدراك الإنسان قيمته العظمى لحياته يجعله يؤمن بأنّها أمانة لديه لأنها مُقدّسة ما دامت تحمل شرف التكوين الإلهي.

قبضةٌ من طين ونفخةٌ من الروح الإلهية، إنه بحق شرف عظيم يُحتم على الإنسان الاهتمام بذاته التي أشار الرسول الكريم لتقديسها، فعندما نظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الكعبة، قال:
“مرحبًا بك من بيت، ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم عند الله حرمة منك”.

ومن هنا يجب على الإنسان حماية نفسه من جميع المشاعر السلبية مثل حرصه على حماية نفسه من المرض، إذ إنهما طريقان لتعب الروح والجسد في آن واحد.

ويُعدّ الحزن انفعالًا متمردًا على طبيعة النّفس المستبشرة بالفرح والتفاؤل كما خلقها الله تعالى؛ لذلك فقد جاء الأمر القرآني بالنهي عن الحزن في مواضع مختلفة منها قوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ) وقوله: (لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى‏ ما فاتَكُمْ وَلا ما أَصابَكُمْ ) وقوله: (أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُون).

إنّ فنّ إدارة الأحزان في قلوبنا أمرٌ لا يتقنه الجميع ؛ فينغمس البعض في الأحزان دون هوادة لفقد قريب أو مصاب جلل، يقسو على نفسه دون رحمة مما يجعل جسمه يتنفس الألم فيُصاب بالمرض وهناك من يعيش عمرًا طويلًا برفقة الأحزان يكابد الهم ويتذوق صنوف العذاب قد نسي أن له ربًّا يدبر أمره، ويصرف عنه مصابه.

نحن عندما نقع في مشاعر الحزن وتحاصرنا سيوفه سوف نسارع بذرف الدموع فهي سلاحنا الأول للتغلب على الحزن لأنها تُخمد شعلة الحزن، وما انهمار دموع الحزن سوى إلهام من تقرحات القلب التي تذرف دمًا عبيطًا فتدفعه بغزارة حتى يصل للعين فكيف بتلك الدموع الحمراء تتغير بقدرة رب العالمين إلى اللون الشفاف عند وصولها للعين؟
فهل فكرنا يوما كيف نستطيع أن نتقبل بكاء من حولنا وهم يذرفون دموعًا حمراء؟!!

لا ريب في أنّ الحزن يُعطينا بعدًا آخر لفهم أنفسنا، فإذا عجز المرء عن التّكيف مع أحزانه يحيطه اليأس ويستحوذ عليه إحساس الموت وعدم الرغبة في الحياة فيفقد التوازن الحياتيّ ثمّ يبادر بالعودة لذلك الجزء المقدّس من أجسامنا.
وسرعان ما تقودنا الأحزان للطريق السليم للتخلص منها بدون قصد ونلتمس من الله كشفها
(قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللَّهِ)(سورة يوسف : 86).

بينما يعطينا الله تعالى العلاج المُجدي لمواجهة الحزن عندما يقول:(وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَ كُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)
(سورة الحجر : 97).

فالعالم الداخلي للإنسان ومدى استجابته لصوت الله يسهم كثيرًا في تكوين سيرة ذاتية خاصة به، ينتقل من خلالها لعوالم مختلفة تشعره بالراحة والسعادة.



error: المحتوي محمي