راقصو التانغو يذبحون الديوك

وأخيرًا يا أرجنتين تظفرين بالكأس الغالية، هي الكأس الثالثة التي استعصت عليك طويلًا، منذ عام 1990 حينما خطف منك الكأس ظلمًا وتآمروا، بقيادة الأسطورة مارادونا حينها بكى وفعلت به الحسرة ما فعلت، دمرته لعبًا وأخلاقًا، بطيش نفسي وجسدي.

تلك أيام خلت وفي كل مرة يتجدد حنين التانغو مع كل مونديال لمعانقة كأس ثالثة، لكن التعثر غالبًا في دور الثمانية، بخروج صادم تمر الأيام ويتراقص الأمل بإعادة أمجاد مارادونا لكن هذه المرة على أقدام ميسي واقترب الحلم بعد غيبة طويلة عند نهائي 2014 وتتكرر المواجهة مجددًا مع المنتخب الألماني، ويخطف الكأس بهدف يتيم على أرض البرازيل كما كان سنة 90 في إيطاليا، لكن الفرق بالنسبة للفوز الأخير بأن المانشفت كان مدججًا بلفيف من المرتزقة، وعددهم ثمانية لاعبين مجنسين من دول مختلفة غالبيتهم من إفريقيا إلا واحدًا من تركيا .وياللمفارقة عن تلك السبة التي وجهها القيصر باكنباور إلى فرنسا حينما أحرزت كأس العالم لأول مرة على أرضها وبين جمهورها 1998م، وقال نقدًا فيما معناه “ليس فخرًا لك يا فرنسا بإحرازك كأس العالم فهؤلاء ليسو أبناءك، إنها أقدام الأفارقة” وتدور الدوائر وتنهج ألمانيا ذات الدور ومن شابه جاره فما ظلم!.

وإيغالًا في البحث عن عناصر لدعم فرقهم لجأت كثير من الدول لخيار التجنيس وخصوصًا من القارة السمراء لعلهم يرممون منتخباتها العاجزة والمتهالكة بالجواهر الإفريقية الثمينة، لكن دولة فاقت الجميع وهي فرنسا، المهووسة بالتجنيس إلى حد الجنون وبأي ثمن وبأي طريقة المهم الظفر بالكأس، فمنذ 40 سنة كلما أتى مونديال جديد زادت النسبة وارتفعت أكثر فأكثر، وعيني عينك دون خجل، وعلى مرأى من العالم لدرجة أن بعض لاعبي فرنسا مزدوجي الجنسية والأغرب يتم تجنيسهم سريعًا، وكم من لاعب إفريقي ارتدى الزي الفرنسي طمعًا في المال والشهرة، ودون اكتراث يشمر عن أقدامه ضد منتخب بلاده، وفي بعض المباريات واجه الأخ أخاه بتحدٍ دون رحمة، أخوة لعب كل واحد ضد الآخر وتتعارك من أجل عيون المغدقين من أصحاب البشرة البيضاء والعيون الملونة!

هذا ما فعتله فرنسا وغيرها ولم تعد هذه المنتخبات أوروبية خالصة من أبناء بلدها باستثناء أوروبا الشرقية، والسبب طمع هذه المنتخبات لكسب رهان الفوز بأي ثمن بالتزييف بالتزوير بالخداع بأي شيء.

أي نقد وجهه المذيع الأمريكي “تريفور نوح” مقدم البرنامج الشهير “ذا ديلي شو” حينما رد على اعتراضات الفرنسيين وأبرزهم السفير الفرنسي في أمريكا حول نعته المنتخب الفرنسي بالمنتخب الإفريقي عبر حلقة سابقة من حلقات برنامجه، يقول “نوح” الذي تعود جذوره إلى إفريقيا والحماس والتهكم أسلوبه أمام الحاضرين وفي كل جملة ضحك وتصفيق: “فازت فرنسا بكأس العالم 2018 وأثناء البرنامج احتفلنا بذلك وقلت ممازحًا: “إن إفريقيا فازت بكأس العالم”! ثم استطرد كثيرًا في ذلك، مبينًا ازدواجية المعايير عند الفرنسيين! واقتطف جملة من كلامه المطول والمهم عن عنصرية هؤلاء البشر: “أشاهد السياسيين وخاصة في فرنسا كيف يتحدثون عن المهاجرين الإفريقيين، عندما يكونون عاطلين عن العمل أو يرتكبون الجرائم أو يقومون بشيء سيئ فإنهم مهاجرون إفريقيون، وعندما يجعل أبناؤهم فرنسا تفوز بكأس العالم، عندها يشيرون إليهم فقط كفرنسيين”!

لكن في هذا المساء الاستثنائي تغلّب راقصو التانغو على قارة إفريقيا السمراء بكاملها، وليس على دولة بعينها أي فرنسا، فجلّ لاعبيها أغلبهم من إفريقيا باستثناء أربعة لاعبين فرنسيين ضمن التشكيلة الأساسية، هذه التوليفية من المرتزقة خابت ظنون من جمعها في مونديال 2022 بعدما أخفقوا في نيل كأس الأمم الأوربية الأخيرة قبل عام وفي هذه الليلة تتكرر خسارتهم المتتالية، نعم فريق الديوك مكتمل الخطوط وقوي جدًا ووصل للمباراة النهائية بفعل براعة لاعبيه لكن المارد ميسي نحر الديوك من الوريد إلى الوريد.

وأستعير كلمة أخي أسعد القلاف “ميسي الألماسي” تسمية منصفة بأنه جوهرة من الماس بريقه لامع في كل القارات، فلولا وجوده بين صفوف التانغو لما وصلوا للمباراة بفوز تلو الفوز، وأخيرًا بعد معركة المباراة النهائية الشرسة، ظفروا بالكأس الغالية التي حبست الأنفاس في كل أنحاء العالم، نعم مباراة درامتيكية بكل ما تحمله الكلمة من معنى مباراة مجنونة، لم يكن أحد يتصوّرها البتة، طبعًا لا أحد ينكر جهود اللاعبين إلارجنتينين الأشاوس المقاتلين الأبطال، فتجانسهم وقوة شكيمتهم في اللعب وتطبيق خطط المدرب وسعيهم الحثيث بالفوز في المباراة الختامية، يقابلهم دعم معنوي وتحول في كل مسارات اللعب وتكتيكاته عبر لمسات الساحر ميسي ومن ورائهم المدرب سكالوني.

أيه يا ميسي أنت اللاعب الفنان، أنت ملك اللعبة وسيدها وفارسها المتوج بأفضل لاعب في الدورة. لك الفخر يا أرجنتين بأنك فزت بفريق من أولادك البررة، وليسوا طارئين على أرضك ولا لاعب واحد مجنّس، أو ملوّن، وبكل إخلاص وحب لا متناهٍ وباسم الأرض وعلمك المزين بالشمس، هزمت فرنسا نفسيًا أولًا لأن الديوك عندهم رهبة وخوف من ملاقاتك وإن كانوا قاب قوسين من الفوز، إنهم يصابون بالعشى، وحتى لو كان التانغو في أسوأ أحواله وتاريخ المواجهات يشهد على ذلك 6 انتصارات للأرجنتين مقابل 3 للفرنسيين، والتعادل في 3 مباريات، وفي هذا المساء جاء الفوز السابع وثمة شيء آخر يا فرنسا يسمى “لعنة البطل”، بمعنى أن الفائز في آخر نسخة إذا تقابل على النهائي يخسر وأنت كنت البطلة الأخيرة فأودت بكل لعنة البطل، الاستثناء الوحيد هما منتخبا إيطاليا سنة 1934 و1938 والبرازيل سنة 1958 و1962 ما عدا ذلك لم يستطع أي منتخب لحد الآن الدفاع عن لقبه السابق بشكل متوال وبالنظر لهذين المنتخبين أي البرازيل وإيطاليا فهما الوحيدان الفائزان على التوالي مع العلم بأن المنتخبات حينها كانت قليلة جدًا في النسخ القديمة لا تتجاوز الثمانية منتخبات، بينما المونديالات الحديثة يبلغ عددها 32 منتخبًا، فهذا أمر صعب أن تحافظ على تفوقك وتكون البطل للمرة الثانية على التوالي.

لكن ليست اللعنة والخشية فقط من هزمت الديوك، بل فن وصلابة منتخب التانغو، وإصراره بكل عنفوان لإحراز البطولة، في هذا المساء وكأنى بميسي ردد وصلة من شدو أم كلثوم، “هذه ليلتي وحلم حياتي”، نعم ليلة استثنائية لمونديال استثنائي صال وجال فيها ميسي الألماسي، أطرب وعزف ألحانًا وقدم معزوفات سيمفونية غاية في الإبداع، هو قائد الأوركسترا الأرجنتينية طوال مسار البطولة فهو النجم الساطع والمشع على كل اللاعبين والمبهر والمقنع، وجاءت كل أمنيات المنبهرين بفنه وإبداعه وتكتيكاته في مشارق الأرض ومغاربها بالتحقق بأن يرفع الكأس على رؤوس الأشهاد ويلبسه أمير قطر الشيخ تميم آل ثاني البشت العربي مثل عريس متوّج يحتفل به الجميع، لأنه الأجدر فحقًا يعتبر مونديال قطر مونديال ميسي، مثلما كان مونديال 86 سمي بمونديال مارادونا.

شخصيتان أرجلهما من ذهب فظفرا بحمل الذهب. ألف مبروك لكل محبي ميسي ولكل مشجعي التانغو محليا وإقليمًا وعربيًا ودوليًا. بهذا الفوز الذي أسعد الملايين. وتبريكات خاصة لمحبي الأرجنتين من أصدقاء وأصحاب وزملاء في أنحاء القطيف والسعودية، ولأولادي الذين نافسوا والدهم في تشجيع التانغو وتغنوا حضورا لمؤازرة المبدع ميسي ورفاقه في الملعب وعاشوا الأجواء أكثر قربًا وتوهجًا.

كأس ثالثة بحوزة الأرجنتين عن حق واستحقاق، في هذا المساء 18 ديسمبر 2022 تحقق حلم السنين. تهانينا للذين رقصوا فرحًا على أنغام التانغو. وأي سحر تحمله كرة القدم، ويا خياطين أخيطوا على القميص السماوي النجمة الثالثة.



error: المحتوي محمي