أتردد من حين لآخر على مزرعة ابن خالتي مهدي الصفار الكائنة وسط شمال معامير فريق الأطرش، أتقصد التجوال في عموم المنطقة أوقات العصاري، حينما تسكن الشمس عن حرارتها، أسلك دربًا ترابيًا مليًا بالمطبات والحفر وأدعو الله ألا تأتيه السفلتة أبدًا برغم تأرجح السيارة ببطء، فهو الطريق الوحيد من أصل أربعة الباقي على حاله، درب تظلله الباسقات يمينًا وشمالًا يحمل رائحة الماضي وألق الذكريات، يبرق الأمس بجماله وتسطع وجوه الراحلين الذين عبروه لسنين خلت.
حينما أدلف لمزرعة ابن خالتي أكون في حالة تأمل والنظر يجول بهيام، ألتزم الصمت عند عودة العصافير لأعشاشها، أنتشي طربًا بأصوات التسابيح، أسرح مع لحظات الأصيل، أتنفس روائح الزرع وأتفرس في كيفية ركوب ابن خالي علي صاعدًا النخلة ليأتي إلينا بالرطب الذهبي يفرش ما جمعت يداه
أمام لمة الأحباب، أقارب ومعارف وبعض شباب الشمال.
حين أجالسهم أتعمد ألا أتحدث كثيرًا لكني أطرح الأسئلة عن كل شاردة وواردة فيما يتعلق بذاكرة المكان.
أسبح في الطبيعة البكر، هي ما تبقى لنا من كنوز جزيرة تاروت التي كانت أغلب أراضيها غابات وجنات نخيل ومزارع على مد البصر.
فغرة الفاه والدهشة تتملكني كلما تجاذب الإخوان أطراف الحديث حول عوالم الحمير، وكل واحد يمدني بمعلومة ويؤكدها آخر وتتوالى التعريفات المستجدة على فهمي ويتوه الإدراك، كنت أظن أن الحمير نوع واحد، متشابهة شكلًا وفعلًا، لم تكن معرفتي تتجاوز الفرق بين الذكر والأنثى، ما سمعته منهم فاجأني ولم يخطر على البال، قلت في خاطري كثيرًا ما أنظر للأشياء بنظرة عابرة أو
رؤية عامة، وسعيًا مني هممت باسترجاع ما تصفحته من كتب قرأتها منذ زمن أبطالها الحمير مثل: (خواطر حمار – الكونتس دي سيغور) و(الحمار الذهبي – لوقيوس أبوليوس) و(أنا وحماري – خوان رامون خيمينيث) والكتاب الأخير تأثر به توفيق الحكيم فأصدر (حمار الحكيم) هي بلا شك
كتب قيّمة ومميّزة وجاذبة، بالإضافة لاطلاعي على مقالات حديثة متفرقة هنا وهناك، لقد أضافت لي الكثير، لكن كلها في جانب وما سمعته من أقاربي وشباب فريق الأطرش في جانب آخر، بل ومختلف لم أجده في كل ما وقعت عليه عيني عن مواضيع تخص تفاصيل الحمير منذ الولادة للممات.
حكايات دوّنت جزءًا منها وبعضًا فيما هو آت، لقد التقطتها من الأهل والأحباب وممن جالستهم مؤخرًا في ربوع المعامير، الذين خبروا عالم الحمير، وتعاملوا معهم ركوبًا واشتغالًا وعملية تزاوج، وتربية وبيعًا وشراء، فجل آبائهم فلاحون ساعدوهم حين كانوا صغارًا ولم يزل بعضهم على صلة بمزارع فريق الأطرش وخرائطه وتحولاته وكل الحيوانات التي استوطنته ردحًا من الزمن، فكل معلومة صادرة منهم هي نتاج تراكم سنين وسنين
من المعايشة عن قرب.
لقد بيّنوا لي أنواع الحميرً وهالني ما سمعت منهم وبعد تمحيص وتدقيق في أكثر من جلسة توصلت معهم إلى الأنواع التالية:
(لنزر، لبرص، أبو البسايل، لأخرع، لفقم، لعقل، لعسم، الرچيچ، لسرج، لقزم، لعصل، لزرق). ويتميز كل نوع بصفات ومميزات تختلف عن الحمار الآخر.
1- حمار لنزر:
أشد الحمير قوة وبطشًا عضاض وكثير الرفس، وخصوصًا إذا رأى شخصًا غريبًا دخل عليه في مربطه داخل الزريبه سرعان ما يرفع إحدى رجليه “يرمحه” بضربة خلفية في الهواء “يعنفص” تهديدًا ووعيدًا، وكأنه يقول أيها الغريب اخرج حالًا لا تقترب مني وإذا فعلت ذلك فأنا جاهز لرفسك ولا تلومّن إلا نفسك لا أقبل إلا بسيدي، حتى إذا ركب على متن الگاري أثناء السير شخص آخر مع صاحبه يتوقف ويدور برأسه للوراء ويرمقه بنظرة شزر، لكنه يأنس بعد حين من الوقت إذا تعود على رؤية هذا الشخص أكثر من مرة، ولا يقبل أن تحمل العصا في وجهه، فكيف بضربه يهتاج ويغتاظ، رأسه يابس أحمق وعنيد وذكي ومتهور، نتيجة تكوينه الجسماني المتناسق بصلابة عظام وعضلات مفتولة، يتحمل الأعمال الشاقة وذو نفس طويل بجر الحمولات الضخمة، مرغوب جدًا وغالي الثمن، شغال طوال اليوم لا يكل ولا يمل من الخدمة.
2- حمار الأبرص:
سمي بهذا الاسم لبروز شريط يقسم كامل محيط جسمه إلى نصفين ابتداء من الرأس مرورًا بالرقبة والظهر وأسفل البطن صعودًا للوجه وصولًا للجبهة، ذلك الخط منذ تخلقه في بطن أمه حيث يكتسي جسمه بياضًا بدرجتين مختلفتين، مما أضفى جمالًا على شكله، وشعره خفيف وناعم، من إعجاب “الحمارة” به، يقولون: (ما في على الأبرص) أي قوي البنية بحسن جمال وطاقة جبارة.
3- حمار أبو البسايل:
سمي بهذا الاسم لتشابه شعر رقبته مثل شعر الخيل طويلة وناعمة كالحرير، وتتدلى بعض الخصلات على جبهته نازلة مثل “الگدلة”، فأضفت عليه جمالًا، يقولون: (محلاه هالحمار چنه فرس)، إن طول “بسايله” المميزة لا تخطئ العين في معرفته حتى لو كان بين قطيع من الحمير، يمتاز بالقوة في جر الأحمال.
4- حمار لخرع:
ذو آذان طويلة ليست منتصبة للأعلى كباقي الحمير بل مرتخية للأسفل “متهطلة” بسبب ليونة عروق
قاعدة الأذن “العكرة”، لكن جسمه متماسك وصلب، له قدرة على سحب الأوزان ونفس طويل في المشاوير المتعددة.
5- حمار لفقم:
سمي بهذا الاسم نظرًا لعدم تساوي حنكيه، فالحنك الأعلى بارز للأمام بينما الأسفل أقصر، أو العكس، بهذا التكوين لا ينطبق الفكان على بعضهما البعض، مما جعل نهقته أقل نبرة وأخفض صوتًا عن بقية الحمير، يخرج النهيق مكتومًا من حلقه مثل شخص يجر ثقلًا فوق طاقته وهو يكابد السحب وإن تكلم فهو مبحوح الصوت، “حمار لفقم” مرغوب عند البعض ومذموم عند آخرين نظرًا لشكله ونهقته “المفطسه” يظن من يسمعه أن ثمة مرض في حنجرته، لديه قدرة محدودة على التحمل، صنف بالحمار العادي.
6- حمار لعقل:
البعض يسميه “لحوس” لأنه بطيء الحركة “حواس” لعدم تساوي قوائمه الأربعة، الأرجل أطول من الأيدي وفيهما انفراج من الأسفل وتقارب عند الركب تسمى “عقلان”، مما يجعل مشيته غير متزنة فتحتك ركب أرجله مع بعضها البعض وتزداد عند جر الحمولات ومن شدة الاحتكاك تنزف دمًا.
7- حمار لعسم:
وهو الذي تكون يداه غير مستقيمتين “عسمان”، متقاربتان في وسطهما ومتباعدتان عند الحوافر وكأنهما يشكلان رقم ٨، خلل كبير في خطواته، لا يمشي باستقامه “يدوفع” مثل سير حمار لعقل، هذا في الأيدي وذاك في الأرجل، ويشار إليهما نفورًا “وخر عن حمار لعقل ولعسم ما هم حق شغل” مقدرتهما متدنية جدًا، لا يتحملان جر الأوزان الثقيلة، فقط أغراض خفيفة وركاب أقل، بسبب اختلال في تكوينهما وهذا عائد لنشأتهما داخل رحم أمهما أو أثناء لحظة الولادة ربما يسقطان على الأرض فوق مكان قاس أو نزولهما سريعًا فيهويان بقوة، فترتطم الأيدي على بعضهما أو الأرجل وهما رخوتان وإذا جاهد للوقوف حالًا أو تسمرا جلوسًا يحدث خلل في شكلهما، فتصبحان مشوهتين إلى حين يكبران وتظل اثنتان من القوائم الأربعة الأمامية أو الخلفية بعاهة مستدامة، لكن الرأي الأول ذهب كثيرًا إلى أنه عائد لنشأتهما الأولى.
8- حمار الرچيچ:
الخامل، الكسول، المتثاقل في مشيته رقبته في الأرض ويقال عنه “يدور گروش”، إذا سار برفقة حمير يسبقونه بمسافة وهو متخلف عنهم كثيرًا، كأنه نعسان، توقظه العصا ضربًا متواصلًا على ظهره لكي يلحق بربعه، يسارع الخطى حينًا ويعاود للبطء ثانية بسحب رجليه سحبًا، متعب في التعامل معه.
9- حمار لسرج:
أو “أبو مؤخر”، ظهره غير متجانس ليس كبقية الحمير ذات الظهر المعتدل، يكون ظهره في الوسط منحنيًا للأسفل، بينما رقبته مرتفعة وكذا خلفيته، “لوخر” أي الأوراك بارزة للأعلى، مما يجعل ظهره ليس منبسطًا يشبه إلى حد ما شكل حرف النون، غير مناسب لوضع البردعة “العدة”، وإن وضعت عليه يعاني الراكب في جلسته بعدم الراحة ويتأذى عند المسير، حمار منبوذ من الجميع، حتى الرجل الفقير لا يقبل على اقتنائه، بقاؤه مثل عدمه.
10- لحمار لقزم:
اسم ليس أساسيًا إنما يطلق إذا تعرض حمار من تلك الأنواع لحادثة سقوط حادة على إحدى جنبيه وأصيب في وركه، يحدث انفكاك في العظام، “انفصل زرار ورچه، يخنس في مشيته” أي يواجه صعوبة أثناء السير باتكائه على الركبة المصابة فيبدو كأنه قزم، يواجه صعوبة في نقل الأغراض الثقيلة، فقط حمولة خفيفة أو حركة بسيطة داخل نطاق الزراعة.
11- حمار لعصل:
أي مقصوص الذيل نتيجة عراك حمار بين حمار، فيتعرض واحد منهما لعضة حادة من الآخر ممسكًا بالذيل، فتتقطع جميع الأنسجة والأعصاب بما فيهما الجلد فيقل جريان الدم، يبتر الذيل لأنه أصبح ميتًا ومنظره منفر، وإذا كان القص من الأعلى وبقي جزء بسيط يطلق عليه حمار أبو عصعص، تسمية “لصقل” عرضية تأتي على أي حمار حدث له قص في ذيله فينزاح مسماه الأولي ويحل الثاني.
12- حمار لزرق:
سمي بهذا الاسم، بسبب تنوع لون شعره، الشعيرات التي تكتسي كامل جسمه أو التي فوق رقبته بين بيضاء وأخرى سمراء “دبسية”، كل شعرتين متجاورتين مخلوطتين بذات اللونين، وموزعتين على كامل خريطة الجسد، التموج اللوني أكسبه جمالًا في منظره، الحمار الأزرق مرغوب جدًا إلى حد التباهي بمن يملكه يمتاز بخاصيتين السرعة والقوة.
تلك الحمير تشمل الجنسين (الذكر والأنثى) لهما من التكوين والقوام المتعدد والتباين في الشكل واختلاف في البنية وتفاوت في قوة التحمل وكذا السرعة والانطلاق، فاطلقت عليها تلك الأسماء لتصف حالتها ووضعها الجسماني وأيضًا على سماتها وفاعليتها، كلها مسالمة وهادئة، الاستثناء الوحيد “حمار لنزر أبو رأس يابس”، حاد المزاج رفاس عضاض ولا يقبل أحدًا سوى صحابه، وكل حمار من هذه الأنواع وراءه قصص وحكايا تتوزع بين الغرابة والطرافة، والتعجب والخوف والفزع ومشاهد الانتقام والطاعة والألفة الشديدة والخدمة الطويلة.
وبنظرة عامة فإن أحسن الحمير من كان ظهره منبسطًا وعريضًا، بالإضافة للقوائم الأربعة متساوية وثابتة ومستقيمة وصلبة ليس فيها عوج.
أما أفضل الحمير
الذي يكمل ثلاثة مشاوير أو أربعة دون معاناة، وحسب وصف الإخوة: “الحمار اللي يعبر المقطع رايح جاي، ولا يتعب وتشوفه ما ينافخ واجد وكأنه ما راح ولا جاء، مرتاح”، أي مخر عباب خليج تاروت “كيتوس” قبل نشوء “الفرضة” -شارع أحد الواصل بين القطيف وجزيرة تاروت- اجتازه بكل قوة وثبات بعيدًا عن المعاناة، ويطلق أيضًا على المشاوير الطويلة “بالردات” وهي المسافة الأبعد التي يقطعها الحمار حاملًا (20 منًا) من الأسماك -المن يساوي 16 كيلو- من بحر بلدة سنابس أو بلدة الزور أو بلدة دارين خارجًا من جزيرة تاروت إلى سوق القطيف هي الحمير الأفضل، والعكس منها تلك الحمير الخائبة، مشوار واحد يتعبها، وشبه هذا التفاوت باختلاف تحمل الفلاحين، هناك رجل ذو عزم لا يلين يصعد عدة نخلات متتاليات، نخلة وراء نخلة دون تعب، وآخر مجرد أن يصعد نخلة واحدة تنهكه (يفوتخ وينافغ) وتهكمًا يقال: (افلان ما فيه شدة، حده يركب نخلة)! هنا المسألة عائدة لطبيعة بنية الأجسام بين إنسان وآخر وأيضًا هناك اختلاف بين بهيمة عن أخرى، بالإضافة لعامل التعود على رفع الحمولات بشكل مستمر وإذا حدث انقطاع تضعف عضلات الحمار ويقل عزمه.
يتصاعد الحماس وقادًا على ألسنة شباب فريق الأطرش المتيمين بحب الزرع المتشبثين بالأرض المرتبطين بذاكرة المكان، لقد أسمعوني ما يحير ليس حول تعداد أنواع الحمير والفروقات بينهم ومسمياتهم فحسب، بل جزمهم وبشكل قاطع بأن حمير جزيرة تاروت أفضل الحمير التي كانت موجودة في كل مناطق القطيف، وأرجعوا ذلك إلى سببين:
الأول: في البدء يتم استجلاب حمير قوية، قوائمها رفيعة صغيرة السن ويتم إطعامها جيدًا وتدرب تدريجيًا على المشي في الماء، وإذا قوي عود “الجحش” وأصبح “حمار باشط حق لخواضة” قادرًا على خوض مياه البحر بثبات وقوة ولا تعلق رجلاه في الطين، للوصول بيسر وسهولة “للحضور” -مصائد الاسماك- ثم يدفع به لمسافة أطول وأصعب وهي قطع المسافة البحرية التي تقدر بخمسة كيلومترات وهو “المقطع” أي البحر الفاصل بين جزيرة تاروت والقطيف، ومن خلال التعود والارتحال اليومي بجر الحمولات تصبح عضلات الحمير أقوى وتحمّلهم أشد و”أصلب” بخلاف حمير تمشي الهوينى على اليابسة أو على العشب الناعم.
الثاني: الحمير المؤصلة، أو مختبر “التأصيل”، حيث يتم البحث عن حمار يتمتع بقوة جسمانية عالية مشدود القوام “شاحط البدن غير متهدل” وتم اختباره قبلا بأن أنجب عبر أنثى معينة (الأتان) مولود قوي البنية، فيقال عن الحمار “هذا فحل عدل، إنتاجه طيب” فحل بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، بالمقابل يتم اختيار أنثى أيضًا لا تقل عنه صلابة جسمانية، خالية من العاهات أو العيوب ولديها قوة تحمل وطاقة للاشتغال، أي “حمارة زينة” فيتم الإشراف على عملية التزاوج بين “الذكر والأنثى” بحرص شديد وبعناية فائقة، وبعد مرور 12 شهرًا من الحمل تلد “الأتان” جحشًا ذا سلالة نقية يتصف بالقوة وتناسق الجسم، ويتم تحضيره مبكرًا لتربية عضلاته على العمل بشكل تدريجي ليقوم بدوره الحيوي نحو الخدمة الثقيلة ويشار إليه بالبنان هذا من نسل ذاك الفحل، وأحيانًا يأخذ دور والده في عمليات تلقيح جديدة.
تلك أنواع الحمير وأسماء أشكالها، وهندسة التزاوج المقننة والمختارة بعناية لولادة نوعية جديدة هي الأفضل والأقوى والتي تتصف مجازًا بثلاثة حمير في واحد.
معلومات ثرية دوّنتها على ألسنة بعض من شباب فريق الأطرش، وبكل حماس أدخلوني في عوالم الحمير منذ الولادة مرورًا بسنين الخدمة إلى العجز ثم الممات، واصفين مشاهد شتى؛ من حراك الفلاحة في كل المواسم إلى جلب الأسماك من “الحضور” و”الجاروف” و”القمبار” وتفريغ خيرات السفن الراسية على الشواطئ، إلى نقل صور مضنية بحمل مواد البناء من أخشاب وحجارة بحر وتراب محروق (الصيران)، وكذا حراك الحمير بنقليات المواد الغذائية من سوق إلى سوق وتوزيعها على المنازل وأيضًا خدمات نقل الأوادم من مكان لآخر.
إنها حمير جبارة، شكلت مسيرة سعي إنسان هذه الأرض في حله وترحاله، وسبحان من سخرها لعباده، قال تعالى: {والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق مالا تعلمون” ]سورة النحل آية 8]، تلك خصائص ومسميات وأوصاف وأنواع لكائن يظن أنه مجرد حمار حامل للأغراض، هو أبعد من ذلك ليس بهيمة غبية، بل مخلوق عجيب ومذهل ارتبط بتراث الأجداد وتاريخ معيشة الأسلاف، هو جزء من حياة الأولين.
كل المعلومات آنفة الذكر هي ثقافة محلية التقطها من الشفاه، لم أجدها لا في كتاب ولا مجلة ولا حتى في “عالم النت” المفتوح على كل شيء، وأظن المعارف ليست كلها موجودة بين متون الكتب، بل جزء منها مخبأ في عقول الناس، وكل إنسان لديه مخزون معرفي عن شيء أو أشياء أخرى، ومن هذا المنطلق لا أحد يستصغر إنسانًا قد يظن أنه هامشيًا أو عاملًا بسيطًا في مهنة متواضعة أو منزويًا في حقل، أو لم يكمل تعليمه، ويرمى جزافًا بأنه محدود الفكر، هذه نظرة متعالية، بمثل هؤلاء إذا جالستهم وفتحوا لك صدورهم وتحدثوا عما في سرائرهم ستجد أمورًا لم تكن تعرفها من قبل.
شباب فريق الأطرش وضعوني في بحر من الدهشة حول عوالم الحمير والزرع والحرث والنسل، ما أجمل التحمم في مياه الرواة الذين أسعدوني بطيب الكلام، وهم على التوالي:
1- حسن على آل بدر
2- عبدالرسول جاسم القروص
3- مهدي إبراهيم الصفار
4- محمد حسين آل هبوب
5- محمد حسن المضوي
6- جاسم حسن آل عباس
7- جاسم أحمد المرزوق
8- نصر محمد المهنذر
9- علي عبدالرسول آل حاجي
وممتن كثيرًا لشخص هو من صحح المعلومات ودققها وأضاف عليها الكثير، إنه الحاج علي منصور الصفار، الخبير في عالم الحيوانات عملًا وتربية وتجارة منذ ريعان صباه إلى يومنا هذا، ولم يزل يسقي الزرع مع أولاده ينافسهم الحراك هو ابن السبعين عامًا، يتنفس هواء الشمال ويتفيأ تحت ظلال “نخل لفليه”.
ألف تحية لهؤلاء الكرام، قلوبهم خضراء نقية مثل نضارة مزارع فريق الأطرش.