في هذه الأيام كان حظي وافرًا حيث سمحت ظروف الزمان بزيارة المدينة المنورة، رزقكم الله زيارتها. ومن تمام حظي أتحفني مدير النزل بغرفة في الدور العاشر، تطل مباشرة على الحرم النبوي! يا له من منظر رائع على الخصوص بعد غياب الشمس وقبل طلوعها حين تتكور المنائر لامعة عن بعد وكأنها كواكب مشرقة.
حل في رأسي سؤال: هذه المدينة والبلدة الطيبة – المدينة المنورة – جميلة وطقسها بديع، لكن هل تكون بهذا السمو والرفعة فيما لو كانت هجرة النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى بلدة غيرها؟
حلّت بركة النبي أرض المدينة المنورة وها نحن نراها، ويذكر التاريخ شواهد كثيرة على بركة النبي، ما أصابت شيئًا إلا وحل فيه الخير الكثير. إليكم شاهدان ويمكنكم الاطلاع على المزيد من كتب السيرة والتاريخ، ليس للتأكد إنما من أجل المتعة، فمن ذا الذي يطلب شاهدًا ودليلًا على حقيقة الشمس؟
يذكر التاريخ أنه نزل رسول الله بخيمة أم معبد واسمها عاتكة بنت خلف بن معبد بن ربيعة بن أصرم فأرادوا القرى. فقالت: والله ما عندنا طعام ولا لنا منحة ولا لنا شاة إلا حائل، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) ببعض غنمها فمسح ضرعها بيده ودعا الله، وحلب في العس حتى أرغى وقال: «اشربي يا أم معبد». فقالت: اشرب فأنت أحق به، فرده عليها فشربت ثم دعا بحائل أخرى ففعل مثل ذلك بها فشربه، ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى دليله، ثم دعا بحائل أخرى ففعل بها مثل ذلك فسقى عامرا، ثم تروح.
وطلبت قريش رسول الله حتى بلغوا أم معبد فسألوا عنه. فقالوا: أرأيت محمدًا من حليته كذا وكذا؟ فوصفوه لها. فقالت: ما أدري ما تقولون، قدمنا فتى حالب الحائل. قالت قريش: فذاك الذي نريد.
عن جعيل الأشجعي: غزوت مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بعض غزواته فقال: سر يا صاحب الفرس، فقلت: يا رسول الله، عجفاء ضعيفة، فرفع مخفقة معه فضربها ضربا خفيفا وقال: اللهم بارك له فيها. قال: لقد رأيتني ما أمسك رأسها إن تقدم الناس، ولقد بعت من بطنها باثني عشر ألفا.
أقول لكم أعزائي ثانية: متى غابت هذه البركة حتى تحتاج إلى دليل؟ كل الرجاء أن يحل ويسكن فينا وفيكم نصيب منها. فإذا كان عيسى (عليه السلام) يقول: “وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا”، أليس نبينا أولى بها؟!
همسة: هل بإمكان رب الأسرة وكبيرها أن يكون بركة في داره وأهله وفي دويرته، مع جيرانه؟