الحياة والموت سُنّة كونية، ومعادلة يجريها الله في خلقه؛ فتمر أيامنا وفق ما يريده الباري لنا، فتتجلى كلها لمصالحنا، فعندما نبشر بقدوم مولود جديد للأسرة؛ فإن هذا المولود يجدد الأمل في قلوبنا، ويعيد لنا بهجة الحياة، فنسعد لقدومه، فهو هدية الرحمن لنا؛ فأوراق الورد الندية التي تكسو محياه، وبراءته؛ تكسبنا طاقة جميلة تنعش الروح، والقلب، فيمتعنا ملاطفته والسلوة به.
نقيض هذه الحياة الجميلة، الموت الذي يداهمنا بشتى صوره، فتتساقط أوراق العمر دون مقدمات؛ لمرض مزمن. أو موت مفاجئ، كتوقف نبض الحياة عند أحد الأحبة بما يسمى (بالنوبة القلبية)، أو بموت أحدهم بحادث مروري، لا قدر الله، أو ذلك الموت الذي لا نراه إلا رحمة لفقيدنا الراحل الذي دامت معاناته سنوات طويلة، وصراعه مع المرض ما بين الألم، والجلوس في المستشفى أكثر من منزله؛ لحكمة أرادها الله له بعد كل هذه المعاناة، والاختبار يختاره لجواره، فيريحه من كل هذه الآلام. نعم يؤلمنا ويذيقنا هذا الرحيل مرارة الفقد!، حتمًا. فنصبر، ونكثر من الدعاء له بالرحمة، والمغفرة؛ ثم نتمكن برحمة الله علينا بإعادة توازن الحياة مجددًا، ومواصلة ما تبقى منها.
كما أن هناك أيضًا رحيل موجع! لا يقل إيلامًا عن ألم فقدنا لعزيز وارى جثمانه الثرى، حيث إن هذا العزيز الذي نفتقد وجوده، وغادر عالمنا لسبب ما، لا يزال يشاطرنا الحياة، وتغطي أرضنا سماء واحدة؛ إلا أن العلاقة أصبحت معه باهتة باردة لا روح فيها، ولا حياة، كالتفكك الأسري بالانفصال بعد عمر مديد وأعوام طويلة تربطهما صلة رحم، أو حتى أبناء، وفي بعض الأحيان أحفاد، وقد تضعف الروابط والعلاقات العائلية بين الأقارب؛ لأسباب تافهة لا تستحق القطع، مما يتعرض لفقد موجع بوفاة أحد أعزائه، سواء أكانوا من أبناء عمومته، أو أحد إخوانه، وهو لا يزال على تلك القطيعة لأخيه، أو ابن عمه، أو أحد أقاربه، أو قطع صلته بصديقه بعد مرور سنوات جميلة بينهما، وذكريات لطيفة تجمعهما، فقط لأنهما لا يتفقان في الأفكار. رغم ما يتخلل العلاقة من كثرة العتاب، ومع ذلك فإن اختلاف الفكر والمنطق بين الأخوة الأشقاء أمر طبيعي، وقد يحصل الرحيل الموجع من خلال مغادرة الصديق لحياة صديقه؛ لأسباب غير واضحة غامضة تبقي في النفس آلمًا من رحيل موجع، وكأن لم يجمع بينهما مودة، واحترام!
وإن كان هذا الرحيل وتلك المغادرة مؤلمة إلا إن الحياة لا تتوقف لرحيل أحدهم مهما كان حجم الآلام، والآثار النفسية التي يخلّفها هذا الرحيل، بل على العكس من ذلك من أراد الرحيل، فلنفسح له المجال ليرحل مع الحفاظ على الاحترام، والود بيننا، ولو من بعيد؛ لنكمل مشوار الحياة بكل قوانا، وبكل هدوء، وسلام، فبعض العلاقات يفضل لها الرحيل.