يا ربّ إن لم يكن وابلٌ من رحمتك فطلّ!

يقولون سوف يشتي الشتاءُ قريبًا! إذن، يا ربّ مر ملائكة السحاب والمطر أن يسوقوا شيئًا من المطر نحو بلادنا. عوضنا من فضلك عن جفاف السنين. مرت أشهر، بل سنوات، المطر فيها قليلٌ جدًّا. نريد أن تمتلئ قلوبنا غبطةً وفرحًا ونقول: هذا يكفي، شكرًا لك يا رب، سقيتنا بما فيه الكفاية!

كنت فجر أحد الأيام أسير في طريقٍ زراعيّ، الجو غائمٌ قليلًا ورطب، وكان المذياع يقرأ القرآن ومرت آية أثارت خيالي بجمالها، وكل القرآنِ جميل: {وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ ۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}!

كيف يمكن أن تكون الطبيعة عندنا لو كان فيها وابل؟ المطر الشديد القطر! الشمس عندنا وتحتاجها كل حديقة، إلا أن المطر الوابل شحيح والطلّ أيضًا شحيح! ضرب الله مثلًا للذين ينفقون أموالهم في سبيل الله بدافع الإيمان والإخلاص فيُشبههم بجنةٍ خضراء يانعة تقع على أرضٍ مرتفعة خصبة تصلها أشعةُ الشمس دون انقطاع ويهطل عليها المطرُ الكثير، وإذا لم يهطل المطر ينزل المطر الخفيف “الطلّ”. طلٌّ يحافظ على طراوة الأشجار فلا يصيبها الجفاف.

ماذا في رأيِكم تكون النتيجة؟ إنّ مزرعةً أو جنَّة كهذه سوف تعطي ضعفَ ما تعطي المزارع الأخرى. البلدان الممطرة غالبًا ما تكون طبيعتها جميلة، بغضّ النظر عن غناها وفقرها، أو ديانة أهلها. أما التي المطر فيها بكمياتٍ قليلة، فطبيعتها فقيرة جدًّا. للأسف لا تمطر عندنا ما يكفي والمياه الجوفيّة شحيحة وملوحتها عالية جدًّا، لا تصلح لكثيرٍ من الأشجار والنباتات.

الجنَّة – بربوة – تقع فوق أرضٍ مرتفعة، فهل يا ترى ارتفاعها يزيد من جمالها ويزيد من كفاءة تصريف الماء الفائض عن حاجة النبات، ويحسن من خصوبة التربة؟

همسة من الآية: إن الذين ينفقون أموالهم في سبيلِ الله بإيمانٍ وإخلاص – دون رياء – هم مثل تلك الجنة ذات الحاصل الوافر المفيد والثمين. والله سبحانه يعلم ما إذا كان الإنفاق من أجله أو للرياء المتبوع بالمنّ والأذى. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جنتان من حديد، إذا هم المتصدق بصدقةٍ اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وإذا هم البخيل بصدقةٍ تقلصت عليه، وانضمت يداه إلى تراقيه، وانقبضت كل حلقة إلى صاحبتها” – قال أبو هريرة راوي الحديث – فسمعتُ رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: فيَجهد أن يوسعها فلا يستطيع!



error: المحتوي محمي