المبدعون والإنتاج الفني

لو ابتغينا الحديث عن ذلك المعنى أي الإنتاج الفني فيتوجب علينا ألا نبتعد أو نتجاهل أمرًا غاية في الأهمية والذي من خلاله نستطيع الوصول بأكبر قدر ممكن من نتاج ذلك النشاط والمشار إليه أعلى تلك السطور، وأما الأمر المقصود فهو القطاع الإعلامي فبذلك العامل القوي نستطيع إيصال ما يمكن إيصاله مما ينتج عن أيدي وعقول المبدعين والمبدعات من أعمال متنوعة ومختلفة غاية في الروعة والجمال وفي شتى المسارات والميول، ونرمي هنا وعلى وجه التعيين الفنون الجميلة كالرسم والنحت والمخطوطات وبناء المجسمات والتصوير وغيرها، وهذه كلها تتفرع منها مجالات كثيرة ينتج عنها أجمل ما صنعته أنامل تلك الفئة التي تتمتع بذوق عالٍ وأحاسيس راقية وعين ثاقبة ، ومما لا شك فيه أن تلك الأعمال تعكس ثقافة كل مجتمع وإبراز ما تحويه من حضارة وإرث يختص بنمط ما عايشه الآباء والأجداد من عادات وتقاليد كانت حصرا لذلك المجتمع؛ وبالتالي ومن خلال تلك الأعمال الإبداعية وما تتضمنه من روعة الجمال من واقع تجسيد جميع ما هو مختزل في ذاكرتنا من صور مؤطرة وراسخة في بواطن عقولنا تكونت من خلال فترات زمنية ليست بالقليلة وربما البعض عايشها والبعض الآخر أي الجيل الجديد لم يعِ تلك الحقبة الزمنية الفائتة باستثناء فئة ممن هم حريصون على تثقيف أنفسهم بالاطلاع على ما كان عليه أسلافنا الماضون بطرق العيش والوقوف عن كثب على كل التقنيات البدائية المتوفرة في تلك الحقبة من الزمن الماضي.

وإن أردنا هنا أن نكون أكثر وضوحًا لما نريد الوصول إليه وتبيانه للقارئ العزيز من خلال إبراز العلاقة الوثيقة بين العناصر الثلاث – والذي جاء ذكرهم آنفًا: الإنتاج الثقافي، والإرث الحضاري، والدور الإعلامي التربوي، ومتى ما تلافحت الأفكار وتمازجت تلك العناصر والقائمون عليها سنصل بطبيعة الحال لما نبتغيه وسيتحقق الهدف المراد الوصول إليه.

وربما يتساءل البعض ما هو المراد تحقيقه؟ في حقيقة الأمر يجب أن ننظر لهؤلاء المبدعين نساء ورجال بنظرة ملؤها التقدير وفائق الاحترام لما يجسدونه بواسطة أيديهم الذهبية وما تنتجه من مواهب وأفكار فنية قمة في الإتقان والإبداع حالهم في ذلك كحال الكتّاب والأدباء والشعراء فهم يحاكون وينقلون الصورة بما تحويه من عبق الماضي الجميل وما تسطره أقلامهم المرهفة لتقديم ما تحاول السنون المتعاقبة إخفاءه عن ذاكرتنا لما تبقى من براءة الطفولة وأيام الصبا.

ولتدعيم تلك الفكرة بشكل أكثر وضوحًا عندما شاهدت الصور لأواخر المعارض الفنية التي أقيمت على صالة (السيد علوي الخباز) في قطيفنا المعطاء، والتي وجهت لي دعوة لحضور المعرض من فنانين وفنانات أعزاء وعلى رأسهم الأخت الموقرة الفنانة القديرة الأستاذة منى السيهاتي والأخ الفنان الأستاذ باسم محمد جاسم ولكن مع شديد الأسف لم يتسنَ لي الحضور والاستمتاع بتلك اللوحات الفاخرة وبذلك المنتج الراقي والعميق من حيث الإتقان وتناسق الألوان والتي تشبه في إبداعها وسحرها تلاطم الأمواج وما يصدر عنها من موسيقى تحاكي هدوء الأعصاب وتبعث على راحة البال ونبحر بما نمتلكه من مشاعر وإحساس وكأن الزمن عاد بنا للوراء ونحن في تلك الواحة الخضراء ونشاهد ما كانت تتمتع به منطقتنا وما جاورها من النخيل الباسقات ومنابع عيونها الزلال واخضرار مزارعها، وما بين تلك الذكريات تظل مشاهد عالقة بالأذهان كالنساء وهن حاملات على رؤوسهن وأكتافهن الجرار الممتلئة بالعذب من المياه مرتديات تلك العباءات التي تكسوها الحشمة والوقار وعندما نميل بالنظر للجانب الآخر من اللوحة نرى الرجال بلباسهم المتواضع وقد اتخذوا من زوايا البيوت ملتقى الأحباب يتبادلون الحديث وأطراف الحوار.

إذن نستطيع التأكيد أن تلك الرسومات هي بمثابة رواية قد صاغ حكايتها كاتب مبدع جسد واقعًا جميلًا كنا نعايشه في الماضي ما بين القريب والبعيد لينقلنا بذروة مشاعرنا لتلك المشاهد العالقة في بواطن عقولنا بكل ما فيها من شوق وحنين كما لو كان شاعرًا اتخذ في ليلة قمراء وهو يحتسي كوبًا من القهوة منفردًا بقلمه بين قصاصاته يتغنى في قصيدته ببلده وإبراز محاسنها وتبيان جمال مناظرها وعليل نسماتها ورائحة أزقّتها ورقة أهلها بأروع ما بحوزته من بليغ الكلمات ومديح الوصف لأرقى السمات.

وبعد كل هذا يجوز لنا التأكيد أن هؤلاء المبدعين يتصفون بمواهب جمة وإمكانات متميزة من خلالها يبرزون تلك الحضارة التي هم ينتمون لها بصورة أكثر جمالًا وإبداعًا بواسطة أناملهم الذهبية وأحاسيسهم المرهفة وأذواقهم الراقية فتلك المعارض الفنية نستطيع بواسطتها نقل ثقافة مملكتنا للعالم من حولنا ليتعرف القريب والبعيد على تلك المعارف الثقافية والأدبية والفنية وكذلك تعد تلك الأعمال الثمينة بمثابة إعلام بناء لنشر كل ما هو إيجابي تجاه بلادنا الغالية ورسالة عامة أن المملكة العربية السعودية هي دولة تتمتع بمحتوى فني وثقافي عميق ذي قيمة عالية ومن خلال سواعد أبنائها من المبدعين والمبدعات تبرز تلك المكانة الفريدة من نوعها بصورة أكثر تقدمًا بين الأمم وأنها دولة عصرية ذات قدرات هائلة وتمتلك مكتسبات تجعل من الآخرين ينظرون لها بعين التقدير والاحترام ويشار لها بالبنان.

وبعد أن وصلنا لنهاية هذه الكلمات نختم بالقول بأن هؤلاء المتميزين من واجبنا جميعًا من كتّاب وإعلاميين ومثقفين وكل من يهتم بالشأن الثقافي أن يسعوا لدعمهم وتشجيعهم والوقوف بجانبهم لما لدورهم الفاعل من أثر إيجابي تجاه إبراز حضارة بلادنا وما تتمتع به من فكر عميق وثقل ثقافي بديع فتلك الفئة هم سفراء حقيقيون يظهرون كل ما هو جميل برسائل متعددة مغلفة بأفضل ما صنعته أيديهم المتألقة لصالح مملكتهم وهذا كله نابع من قدرات عالية لخلق مناخ هادئ يضع في نهاية المطاف بلادنا داخل إطار للوحة ساحرة وقد اكتملت فصولها بروعة جمالها وإتقانها ودقة تفاصيلها فشكرًا لجميع المبدعين والمبدعات أينما كانوا في ربوع دولتنا الشامخة.



error: المحتوي محمي