ثمّة رسالة يتضمنها نصي هذا عن الألم، فهي أشبه برسالة أمل لي شخصياً ولكل من مر بتجربة كهذه، للتمكن من مقاومة ومواجهة الخوف من الوجع، كانت رغبتي الوحيدة هي الكتابة التي لا تقاوم لعلي أنسى الألم قليلًا، رغم أنني عدة مرات قاومت هذه الرغبة، وفي كل مرة كنت أتراجع، ثم بدأت أكتب، أنا هنا لا أكتب أقداري ولا أسراري أو حتى أخباري، ولكني ربما أتمكن من أن أصيغ حكاية من حياتي، والتي من خلالها أستحضر وجعي الذي قاومته مرارًا باللجوء إلى الله، وأُحلت قوتي إلى حول ربي وقوته، حيث تيقّنت من عظمة ربي وقدرته بأنني شخص آخر خارج دائرة الوجع، لحسن ظني بكرم الله ولطفه سبحانه، لما له من الأثر الإيجابي الفعال لوجعي، والذي جعلني في حالة تأقلم وتكيف مع المعاناة! والتي منحتني بُعداً جديداً في رؤيتي للحياة من حولي، ومن خلال تفكيري أكتب هنا عن معاناتي، إلا أنني لا أنسى ولا أنكر أن أكتب بين حين وآخر عن حبي للحياة، وهنا تحضرني مقولة محمود درويش: “فكل كتابة إبداعية نَصر صغير على المرض”.
الحياة مليئة بالمنعطفات السهلة أحياناً والقاسية أحياناً أخرى، وقد يطرق أبوابنا فجأة زائر ثقيل لا نستطيع صده أو طرده، لكننا نتكيّف مع حدوثه شئنا أم أبينا. نحن بحاجة إلى الجرأة بالاعتراف بالتعب والوجع حيث جعلت جرأتي الذاتية طاقة مشحونة في قالب عميق يحاكي ويترجم مشاعري ومشاهداتي، لأتيح للقارئ الكريم عدم الحيرة طويلاً لتفسير اختياري لعنوان المقال! والذي اقتبسته من خلال قراءاتي واستهواني أن أختاره عنواناً هنا! أجزم تماماً أن الكتابة عن الوجع هي إحدى الكتابات الذاتية، والتي تسرد تجربة الوقوع فريسة وضحية الشعور بالعجز، إلَّا أنها في اعتقادي ذات خصوصية، والبوح بها قد يتحفظ البعض من الاعتراف بها.
أربعة شهور عشتها مع وجع الكسر المضاعف لقدمي، إثر تعثري على الأرض وواجهت الكثير من المعاناة مصحوباً بالأرق والقلق، إن مجرد البقاء بالبيت دون حركة دون نشاط بل الأسوأ عندي، قيامي للصلاة ليس كما ينبغي لعجزي، رغم حاجتي لربي، حينها كان هو الوجع الأكثر صعوبة على نفسي، حيث كان معززًا بشعوري بالعجز! لولا وقوف زوجي الدائم لي، والذي كان حاضرًا في كل نبضة من نبضات قلبي.
عذرًا أيها القارئ الكريم، بعد أن تساءل الكثيرون عني! حيث لا أحد يعرف كمية المعاناة التي واجهتها حتى قررت أن أكتب هنا، كما أن لا أحد يعرف كم مرة سقطت وتعثرت وتوجعت لعدم توازني بعد العملية وثقل الجبيرة ثم نهضت مستسلمة، ولا أحد يعرف الجرأة والشجاعة التي حباني الله بها لخوض هذه التجربة المؤلمة، حين تكون في أبشع أنواعها وصورها! إلا أنني أعرف، وليس المهم أن يعرف أحد، الأهم لدي فقط هو أن أتعافى وأقف على قدمي من جديد. حينها قررت منذ أسابيع أن أكافئ نفسي ذاتياً لأطرح درساً بعنوان “هل تتبني شخصيتك الفردية وتميزك؟!” وكنت واقفة بشموخي المعتاد أمام 110 طالبات لفترتين من الوقت مع معاناة حاولت أن أخفيها عن الجميع، ولكن لمحتُ في بعض وجوه العزيزات المحبة والمودة تقترب من صدري، ووجعاً يشابه وجعي، تدريجياً استشفيت ملمحاً من ملامح ذاكرتي، عدت إلى ذكرياتي، رغمًا عن أنف وجعي، اختارت ذاكرتي الاستشفاء الذاتي، السؤال هنا للبعض كيف يمكن للمرء أن يعيد ترميم وتصميم نفسه تحت أي ظرف يواجهه! ما فعلته أنا هو مزيج من البوح الشخصي والجرأة الأدبية وذلك بالتطهر التام من الخوف والقلق من حالة الوجع!
وأخيراً ما أردت قوله: لن أبقى على قيد القلق، ربما كنت أهذي من فرط الوجع، أو الشعور بالخيبة من عدم القدرة على استرجاع عافيتي! هنا اتخذت قراري بعدم الاستسلام ومحاولة إنهاء معاناتي، فالحياة قرار وأنا منذ عمري صانعة قراراتي، ولكن شيئًا واحدًا فقط لم أستطع تفسيره! وما يؤرّقني حقيقة أننا دائماً نظهر الجمال والشفافية والسلام علناً ولكن نحاول إخفاء أوجاعنا.
أخيراً، أتمنى أن أكون أول من يعتذر هنا، إن كنت قد أثقلت على أحدكم ولو بحرف واحد!