الصفحة الفارغة.. !

كلما عانقت القلم تفر مني الكلمات وتتشتت الأفكار لتدخلني في متاهات لا نهاية لها لتبعدني عن الفكرة التي راودتني وجعلتني أقترب من قلمي لأنثر حروف فكرتي على البياض، أعاود الكرة مرة بعد أخرى، أتجول داخل أفكاري، أحاول اقتناص فكرة أبني عليها مخيلتي، أستجدي مخزوني الفكري والمعرفي لتمخض الأفكار وولادة الفكرة التي تعيدني إلى اليراع، لكن بمجرد أن أمسك بذيل الفكرة تتملص مني كصياد قضى يومه ينتظر أن يصطاد سمكة واحدة وبعد طول انتظار وملل شديدين تتحرك السنارة وكأن خيطها يهتز لتوحي له بأن السنارة اصطادت وأن خطافها علق في فم سمكة كبيرة، يهرول نحو سنارته التي ابتعد عنها قليلًا، أخذ يشد الخيط مع تصور مسبق لحجم السمكة ونوعها، فهي صيد ثمين بعد طول انتظار.

يشد الخيط وهو يقترب من مياه الشاطئ، لا يطيق الانتظار حتى يأتيه الصيد بالفعل تخرج سمكة عالقة بالميدار لكنها عكس تصوره وما يدور في مخيلته الاستباقية يخرجها على الرغم من المقاومة الشديدة، يمسكها بكلتا اليدين، لكنها تتملص من يده لتعود إلى البحر وتغوص في الأعماق لتختفي وسط آلاف من الأنواع، فتتقهقر خطواته إلى الخلف واضعًا تلك السنارة على كتفه وبيده دلو فارغ، يركب سيارته ويعود أدراجه إلى منزله، بخفي حنين.

الصفحة تظل فارغة مما يؤدي إلى القفلة الكتابية وهي مرحلة صعبة يمر بها الكاتب، وقد يعاني منها لفترة طويلة ويتوقف معها اليراع والإنتاج الإبداعي للكاتب فتشل أفكاره وتنضب مخيلته، من المرجح أن توعز هذه الحالة إلى أسباب كثيرة منها توقف الإلهام الكتابي، أو ربما تنشأ من مشكلات وإحباطات أدبية، وأيضًا التشتت الذهني وارتباطه بأحداث أخرى.

أكيد هنا عدم الاستسلام والمماطلة واللجوء إلى المكتبة والكتاب والقراءة كوسيلة للمواجهة، لتخطي مشكلة متلازمة الصفحة الفارغة، فهناك على قارعة الطريق صفحات توحي بنهايات البدايات نستأنف منها صفحات جديدة لكتابة إبداعية تشع أملًا ونورًا ورضًا بنهايات هي بمثابة رصيد متواضع في عالم الكتابة الأدبية.



error: المحتوي محمي