أمام تلك الأحداث الصعبة و المعتصرة للقلب ألما و مورثته هما ، يتباين الناس في مواقفهم إيجابا و سلبا و ترددا بحسب ما يملكه من قناعات و رؤى ، فذاك المتشائم الذي غزت عينيه الصورة السوداوية لا يرى أي أفق للحل و التغير لأحواله نحو الأحسن ، بل يرى في مقتبل الأيام استمرارا و استكمالا لعجلة الحياة التي تطحن أضلعه ، و أما الحديث عن تلاشي غيوم الهم و الكرب و إشراقة شمس الأمل فيراه ضربا من الأوهام !!
و هناك من يتحلق في الدائرة الرمادية و هي التردد و التخوف من التراجع أو الإقدام على أي خطوة ، فلا توجد عنده من العزيمة و الحزم على اتخاذ القرار المناسب الذي ينتشله من وضعه الصعب ، مع امتلاكه لرؤية واضحة لخيارات و احتمالات حسنة تغير وضعه للأفضل و إن لم يصل لنتيجة متكاملة للحل ، و في المحصلة فإنه سيبقى رهين التيه و الحيرة و القلق و الانفصام بين واقع يؤمله و حاضر يعاني فيه من هم توقع الفشل و اهتزاز إرادته و وهنها .
و أما ذاك الإيجابي فيرى بعين الحكمة و الأمل الذي لا ينقطع ، و مبعث تفاؤله هو أن مجريات الأمور و مقادير الأحداث العاصفة مهما بلغت في عتوها و قصفها ، فإنها لا تخرج عن إطار و مقدار محدد لها من يد الخلاق العظيم عز و جل ، فالأحداث لا تتحرك بعمى أو بعور يصيب أحدا و يستثني آخر من البلاء و الشدائد ، بل هي سنة إلهية تعم بحلولها كل العباد حتى الأصفياء و الأولياء منهم ، فلا يوجد من هذه الناحية أي قلق أو تخوف عند المؤمن ، فالسلطة إذا كانت عند بشر مثله ، فلعل ذاك المدير أو الحاكم يظلم أو يغفل أو يخطيء و هذا أمر وارد ، و أما بالنسبة لرب العالمين فهناك اطمئنان يملأ جوانحه بأنه تعالى لا يظلم أحدا و لا يسهو .
و القناعة الأخرى تتعلق بفحوى و مضمون تلك المتاعب و المصائب التي تمر بنا ، فهي ليست عبثية أو الخالية من الهدفية ، فتلك المحن لم يسخرها الباري لنندب حظوظنا و نبكي على أطلال الماضي أو التحسف مع تكتيف اليدين !!!
بل إن الله تعالى يهيء لنا من الفرص لصناعة النفس الأبية و القوية القادرة على التعامل مع طبيعة الحياة و مصاعبها بعين الحكمة و التحمل و استشراف التغير الإيجابي ، فالهم و الحزن و الكدر – و إن حل كضيف ثقيل في أفضل حالاته – لكنه لا يلبث أن ينماث و يرحل ، و شتان بين من يرحل عنه الحزن و قد أنهك قواه و استنزف طاقته النفسية و أبقاه بلا أمل ، و ما بين من استعد للألم بشد حيازيم الصبر و الهدوء النفسي ، فلا يستفزه الكرب فيخرجه من توازنه إلى التهور ، و لا تنخر نفسه الصابرة سوس اليأس و التشاؤم .
بل يرى في كل خطوة يقدم عليها بحكمة و دقة ، حلحلة لحجرة المشكلة و انبثاقا لشمس الانفراج الجزئي ، مما يحذوه الأمل بالتشجع على التحمل أكثر حتى يصل إلى مبتغاه .