أرغب في هذه الخاطرة أن أُعمل فكركم في سؤال: ماذا لو كانت الحياة الدنيا على فترتين، كما نرى في سباق الحصول على كأس العالم في لعبة كرة القدم؟ ينتهي شوط فيأخذ اللاعب فترةَ استراحة؛ يعد فيها الفريق نفسه من جديد، يراجع الأخطاء، يستقصي أماكنَ ضعف وقوّة الخصم، ثم يدخل الميدان بخطة جديدة، وفعلًا تفوز فرق كثيرة في الشوط الثاني بعد فشلٍ ذريع في الشوط الأول!
إلا أن الحياة لعبة أعقد من لعبة كرة القدم! الحياة فترة واحدة يفوز فيها من يفوز ويخسر من يخسر. ربّ ارجعون! سوف أصلح خطتي، أغيّر الدفاع أو الحارس أو الهجوم، فيأتي النداء من الربّ: كلا! أعطيناكَ فرصةً واحدة لتفوزَ بالمنافسة. حددنا لك شروط اللعبة، شرحنا طريقة اللعب، أرسلنا مدربين “رسلًا” من أفضلِ من خلقنا معهم نواميس وشرائع، لكن لم تتبع الخطة!
إذا كنتَ من محبيّ وعشّاق الرياضة، استمتع بهذه الفترة من السباق على كأس العالم في كرة القدم، وتيقن أن الفريق الذي يفوز بالكأس لن يكون بضربة حظّ! من يفوز إنما يفوز لأنه أعدّ للفوز خطّة جيّدة، ومن يخسر – وإن اختلفت أسباب الفشل – لم يكن لديه خطة للفوز!
نحن نقول دائمًا: حظًّا سعيدًا! بينما الواقع هو خطّة جيّدة وتدريب مكثّف واتباع أوامر القائد. الحظّ والاحتمالات تصح أن تكون سببًا في الربح والخسارة في لعبة القمار، المحرمة.
هناك من يفوزون في الشوط الأول من لعبة كرة القدم، ومع ذلك يأسفون على عدم تعميق الفوز وجعله فوزًا واضحًا كاسحًا للطرف الآخر “الشيطان”. انتهت المباراة بفوزٍ كادَ يكون أكبر!
في المباريات من لا ينفعه الشوطُ الثاني ولا الثالث إلا في تأكيد وتعميق خسارته! كمن في الآخرة يطلب العودة ليصلح ما أفسد، لكنه ادعاء باطل {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}. انتهى الوقت ودوّت صافرة الحكم بخسارةٍ كبيرة!
الفوز حلو المذاق ومطلوب في كلّ شيء؛ الرياضة بشتى أصنافها، العلم وغيره، وكل فوز يحتاج إلى خطة رصينة، فلا عجب أن نحتاج إلى خطة للفوز بأكبر جائزة وكأس من الأكْؤُس التالية المذكورة في القرآن الكريم؛ {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا}. {يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ}. {يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ}. {بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ}. {وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْسًا كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلًا}. {وَكَأْسًا دِهَاقًا}.
يا صديقي دورات الألعاب تتكرر مرّة كلّ سنوات، الحياة الدنيا حياة واحدة وعمرٌ واحد، ثم بعدها “الحيوان” حيث لا شيء إلا الحياة! فأي كأسٍ نريد؟!