في أمسية ضمت 91 شخصًا من الجنسين، تكاثفت جهود الاختصاصي النفسي “ناصر الراشد” مع سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم، لتثقيف الحضور حول العلاقة الزوجية وأهمية استمرارها في إطار من الحب والاستقرار، وذلك خلال المحاضرة التي نظمها مركز سنا للإرشاد الأسري، التابع لجمعية البر الخيرية بسنابس، يوم الإثنين 13 ربيع الآخر 1444هـ، بعنوان كيف يستمر الحب؟.
واستهل سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم، حديثه بمقولة للإمام الصادق (ع): “لا غنى للزوج عن ثلاثة أشياء فيما بينه وبين زوجته وهي.. واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها.. “، ثم طرح سؤالًا مباشرًا للحضور: كيف تبدأ العلاقة الزوجية؟ وكيف يكون حال الأزواج في فترة الخطوبة وبداية الحياة الزوجية؟
ليُجيب بأنّ العلاقات الزوجية بدايةً من فترة الخطوبة إلى السنوات الأولى تكون في أوج حيويتها وجمالها، ويكون فيها التواصل مع الشريك قويًا ولطيفًا ومهذبًا، وكذلك الزوجان يكونان في أحلى طلة من خلال لباسهما وزينتهما، وهذا ما يُعطي للفترة الأولى من الحياة الزوجية صورة جمالية.
وتساءل: ماذا يحدث للأزواج بعد 5 أو 7 سنوات؟ مُستدركًا بأننا نلاحظ تغيّرًا كبيرًا في العلاقات الزوجية بعد مرور هذه الفترة! والذي يكون ناتجًا عن عدم التزين والتجّمل، قلة أو انعدام الكلام الجميل، الحوار والتواصل وغيرها. وبيّن أن هذه التغيرات هي علامة فارقة كبيرة تدل على أنّ هناك شيئًا من النقص والتقصير والفتور في حياتهما.
وأشار “آل إبراهيم” إلى كثرة الشكاوى من الأزواج في الاستشارات، والتي يكون أحد أسبابها ضعف العلاقة الحميمية، وفقدان الحب والاهتمام، وضعف التواصل وترك التأنق والتجمل. حيث قال: “نتيجة لهذا التغيير يتحول الحب والاهتمام إلى جمود وبرود نلاحظ ظهور مشكلات في الحياة الزوجية وزيادة الخلاف بين الشريكين. وحذّر من تجاهل هذه الأمور التي قد تتحول من مجرد خلاف إلى عدم انسجام ثم طلاق”.
ثم أكّد أن الوسائل التي تساعد على بناء الألفة وتحقيق الانسجام بين الزوجين كثيرة، أهمها التعارف والانفتاح المتبادل بين الشريكين الذي يُعزز العلاقة بينهما، الحوار، التفاهم، التغاضي، التسامح، الاحترام، وكذلك المشاركة في الخدمة المنزلية والتربية للأبناء، وتقاسم الأفكار والطموح والأحلام والرغبات.
وأوضح الاختصاصي النفسي “ناصر الراشد” من جانبه، أنّ الأسرة هي بؤرة تركيز علماء النفس الأسري والاجتماعي وهي أساس تكوين المجتمعات، واللبنة الأساسية بحسب البحوث والدراسات العلمية، كما أن الأسرة المستقرة تنتج مجتمعًا مستقرًا معطاء، وأن المكوّن الأساسي الذي يسهم في إنجاح الأسرة هو المكوّن العاطفي الانفعالي، حيث إن هناك ثلاثة مصطلحات أساسية يُعبّر عنها الحب وهي المودة، الرحمة، والمعاشرة بالمعروف.
وبيّن “الراشد” أنّه متى تم ضبط سلوكنا الزواجي داخل الأسرة من خلال المودة والرحمة التي تعد كيمياء المحبة نتج اللطف والحب، والرفق واللين، والإحسان، ونتج الشعور بالامتنان والكثير من السمات النبيلة في شخصياتنا.
وذكر أنّ علماء الاجتماع والنفس الأسري والزواجي يعدون الزواج مرحلة نمائية ينمو داخلها الإنسان، فكيف ينمو الزوجان مع بعضهما بعضًا؟ وهل أعطينا ما يكفي من الوقت والاهتمام للحياة الزوجية؟ نحن كأزواج نشكل ذاكرة مشتركة داخل العلاقة الأسرية والمطلوب فيها طاقة الحب والود لننمو بالعطاء المتجدد، وليس المطلوب الحب المشروط أو العلاقة المشروطة، لا شيء مشروط داخل العلاقة الزوجية، وإنما هي حياة تحتاج إلى تجدد دائم لتستقر ومن ثم تتحقق السعادة فيها بين الزوجين.
وبيّن “الراشد” أنّ العلاقة الزوجية قائمة على المعاشرة بالمعروف في كل مراحل الحياة، وهذا ما نحتاجه كأزواج لكي نستطيع أن ننجح ولتستمر هذه العلاقة كما بدأت بالحب وتبقى متوقدة ومتوهجة به، ولئلا يستمر بعض الأزواج في علاقاتهم وكأنهم استنفدوا كل شيء جميل في السنوات الأولى!
وأوضح أنّ الثقة مفتاح المحبة بين الزوجين، ولها أبعادها وإيجابياتها من خلال العطاءات والمساندات والدعم والاهتمام في كل جوانب الحياة الزوجية، منوِّهًا بأنه كلما قلّت الثقة تدنى مستوى الرضا والحب في العلاقة، وكلما قويت الثقة كلما كان النمو الزواجي أكثر نضجًا ونجاحًا وتألقًا، وأكد كذلك أنّ المرأة متى ما شعرت بالأمان والثقة مع الرجل فسوف تُشرق شمسها.
وأشار “الراشد” إلى السلوكيات التي تدمر العلاقة بين الزوجين كاللوم، النقد، الاندفاعية، الأنانية، المقارنة، والغرور، قائلًا: “لا تُطل كثيرًا في المشاعر السلبية حتى لا تبرد مشاعرك مع شريك حياتك بل تغاضى وتنازل وتناسى لتستمر العلاقة. تجدد وتغير وبادر ليستمر الحب، ونصح بقوله: “اعرف شخصيتك لتستطيع أن تتعامل مع شريك حياتك، قيّم سلوكياتك وحدد نقاط ضعفك. لا أحد يستطيع تغييرك إذا لم تسعَ للتغيير!
واختتم سماحة الشيخ صالح آل إبراهيم المحاضرة بسؤال للمتدربين، كيف نستعيد العلاقة الحميمية بين الزوجين؟ قائلًا: “إنّ التعبير عن المشاعر والحوار الدافئ والحب واللطف والغزل، والانجذاب والتهيئة العاطفية، وكذلك خلق مناخ ملائم للعلاقة الحميمية وقضاء وقت ممتع مع شريك الحياة كلها وسائل تعيد العلاقة وتحفظ استمراريتها، موصيًا كل زوج/زوجة: كن نموذجًا للأخلاق الكريمة ليتحقق الانسجام ويتولد الحب والرضا”.