الإنسان مؤتمن في كل شؤون حياته مع ربه ومع نفسه ومع غيره.
الإنسان لا يعيش عبثًا، ولا يملك حرية التصرف من غير ضوابط ترشده وتقومه وتهذبه، لا أن يكون منفلتًا فيخون ما اؤتمن عليه في حق نفسه وربه ومجتمعه.
وهو مهما تمرد أو تظلَّم أو أعطى لنفسه عذرًا لسبب أو لآخر، غير مخول بالتصرف إلا وفق أسس وضوابط محددة ومقننة، لا أن يستبيح المحظور، فينفلت ويسمح لنفسه بفعل ما يشاء ومتى شاء دون رادع أو وازع، فهو محكوم بالشرع والقانون والعرف القويم.
المنهجية العبثية السائدة ومع الأسف عند الكثير غايرت المفاهيم والأعراف والسنن والقوانين، فكأنه لم تعد هناك أسرار ولا أمانات ولا صدق، إلا بالتمحيص والحلف بأغلظ الأيمان، ولعل وعسى ينفع ذلك.
يسأل صديق صديقًا: لماذا طلقت زوجتك، فيرد عليه: إنني لم أقل لك شيئًا قبل طلاقها وهي تحت عصمتي، فكيف أقول لك الآن وهي غريبة عني. وهذا المعنى هو ما نود الإشارة إليه بوضوح.
علينا أن نكون مؤتمنين، على حياتنا في أنفسنا وأهلنا أصلاً وفصلًا، تمامًا مثل ما نكون مؤتمنين في أعمالنا ووظائفنا وأموالنا، وعلى تعهداتنا وأسرارنا، وأسرار غيرنا فردية وجماعية، لا أن ننشر غسيلنا وغسيل من وثقوا بنا لمجرد خلاف أو قطيعة، وحتى لا ينعكس ذلك علينا فنكون عرضة لذلك من غيرنا، فالإنسان: أنت وأنا وهو، غير معصومين عن الزلل والخطأ، وليست بطولة تلك التي يباهي بها البعض بمجرد الاختلاف والخلاف ليبادر بكشف عورات البشر مهما كانت أهميتها أو بساطتها “فكلك بل كلنا عورات وللناس أعين”.
هي أمانة خالصة إن كنا طرفًا فيها أو لم نكن، وعلينا الحفاظ عليها.. الأمانة ليست في الأموال فقط، وكما قلنا هي في كل أمور الحياة، في الشراكة الزوجية والأسرة والصداقة والمجتمع والوظيفة والمؤسسة، وأعمال الخير الخدمية، وهذه هي الأخطر خاصة تلك التي تكشف أحوال البشر والأسر والعوائل من أجل المعونة أو إصلاح ذات البين وغير ذلك الكثير.
هذه النوعية من الأعمال تحتاج إلى ثقة مطلقة، وإلى أفراد هم كفء لهذه الثقة، فظاهر البعض لا يكفي، لأنه ومع الأسف حين ينكشف باطنهم عند أول معضلة أو مشكلة، ترى بعضهم ينضح ويفضح كيف يشاء وكأنه يحقق انتصارًا ويقضي ثأثرًا، بينما ذلك في الحقيقة يكشف ويسقط هذه النوعية من البشر الذين ربما كانوا يختفون وراء المثالية والنزاهة والفضيلة الزائفة.
إذا أردنا أن نكون حقيقة فاضلة فلنحاول تحقيق معنى الإنسانية، أولاً باتباع المعروف والعمل به والابتعاد عما يخالفه، هذا المعروف هو ما أدعي تسميته بالأمانة التي حملنا إياها رب العباد، وأما أن يتناسى بعضنا ذلك حال غضبه أو جهله أو مكابرته ليقذف من كان يومًا ما صديقه أو زميله أو حليله أو حليلته بما لا يجوز له سواء أكان ذلك صدقًا أم رجمًا بالغيب، فتلك خيانة للأمانة حتى وإن ظن من ظن المظلومية، لأن هناك طرقًا تتخذ، لا أن يقوم هو باقتراف ما لا يحق له.