ورد عن الإمامِ الصادق (ع) أنّه قال: (إنّ فاطمةَ (ع) ضمنتْ لعليٍ (ع) عملَ البيتِ والعجينِ والخبزِ وقمِّ البيت، وضمِنَ لها عليٌ (ع) ما كانَ خلفَ الباب؛ نقل الحطب وأنْ يجيءَ بالطعام.. )(بحار الأنوار ج 14 ص 197).
الحياة الزوجية في نظر أهل البيت (ع) -كما يظهر من هذا النص وغيره- شراكة بين الزوجين ملؤها المحبة والتفاهم واحترام الدور الوظيفي للطرف الآخر، حيث أشارت الرواية الشريفة إلى ذاك الاتفاق بين أمير المؤمنين (ع) ومولاتنا الزهراء (ع) حول إدارة شؤون البيت بما يتناسب وقدرات كل طرف، إذ إن أعباء المنزل وترتيبه وتوفير مستلزمات الراحة النفسية والبدنية فيه من نصيب الزهراء (ع) بينما توفير الحاجات المادية مهمة أمير المؤمنين (ع)، وهذا التقسيم يؤكد على الأساس الذي يسعى الطرفان لتأمينه وهو الاستقرار والأمان والراحة النفسية لجميع أفراد الأسرة، ومتى ما كان هناك سوء فهم أو خلاف -وهذا أمر طبيعي في الحياة الزوجية- استطاع الزوجان من خلال الحوار والتفاهم واستماع الآخر والبحث عن الحلول الممكنة والمرضية للطرفين فضغوط الحياة لا تصيب طرفًا دون آخر، فتنظيم المنزل وتربية الأولاد لا تقل تعبًا عن عمل الزوج وبحثه عن لقمة العيش الحلال، فكلاهما يؤدي دورًا تكامليًا في بناء الأسرة السعيدة والعمل المشترك على حل ما يواجههما من مشكلات أو صعوبات في الحوار والتفاهم، وبلا شك فإن العلاقة بين الزوجين إذا كانت مستقرة تؤثر على تنشئة الأبناء وتربيتهم وإحاطتهم بالرعاية والحب والتوجيه المستمر، بينما الأجواء المشحونة والخلافات والمشاحنات تقلب المنزل إلى جحيم لا يطاق ويصاب فيه الأبناء بالأمراض النفسية والحرمان العاطفي والضعف في شخصياتهم.
والتفاهم بين الزوجين يشمل جميع جوانب حياتهما ولا يقتصر على جانب المهام وتحمل المسؤولية وتنظيم المصروفات المادية والادخار، وهذا يعتمد بشكل أساسي على فهم الزوج لمفهوم القوامة المشير إلى توليه الأمور الإدارية والتحكم في دفة العلاقة الزوجية نحو الاستقرار مهما واجهت من أمواج الصعوبات والمشكلات، وهذا يعتمد على ما يمتلكه الزوج من حكمة في التعامل مع أوقات الانفعال أو الوقوع تحت وطأة الضغوط الحياتية، والتحلي بالصبر والتأني في اتخاذ القرارات واتخاذ الأسلوب المناسب في مداراة الطرف الآخر وتطييب خاطره وإعادة المياه إلى مجاريها، فارتفاع الأصوات والصراخ في وجه الآخر وإلقاء اللائمة وخلق التبريرات للأخطاء يعني الدخول في دوامة المشكلات واستمرارها حتى تحيل حياتهما إلى جحيم لا يحتمل، والتذرع بالمهام المنزلية وتحمل المسؤوليات لا يحل المشكلة أبدًا، بل يوجه رسالة للآخر بأنه لا يقدر دوره الوظيفي ولا الضغوط التي يواجهها داخل البيت وتربية الأولاد كالزوجة أو العمل على توفير سبل الحياة الكريمة للأسرة بالنسبة للزوج.
والتوقف عن الحوار وتبادل وجهات النظر إذا بدأت شحنات الانفعال تزداد وأحس الزوجان بخروجه عن مساره الصحيح، وهذه مهارة ينبغي إتقانها تلافيًا لتحول النقاش إلى زوبعة تعصف بعلاقتهما ويبدأ مسلسل جرح مشاعر الآخر وتوجيه الكلمات القاسية له، فالحفاظ على الحياة الزوجية واستمرارها بما ينعكس هدوءًا واستقرارًا عليهما، يحتاج إلى مراعاة ظروف الآخر والتجاوز عن الهفوات والتسامح وإلا فإن ذلك الكيان سيقع في لحظة هبوب أي عاصفة، وهذا ما يحتم على الزوجين تقديم تنازلات متبادلة أمام أي خلاف ينجم عنه الزعل والانزواء عن الآخر، وإلا فإن تراكم المشكلات واستمرارها دونما حل وتنازل منهما سيأخذهما نحو الصمت الزوجي والنفق المظلم في علاقتهما.
ونحن أمام مثال يحتذى به في العلاقة الزوجية الناجحة التي واجه فيها الزوجان المهام الصعبة وتجاوزاها دون الانحدار إلى المنغصات، والحياة الزوجية السعيدة وليدة العمل المشترك من الطرفين حيث يبذلان الجهود الكبيرة وتحمل المتاعب، والعاطفة الصادقة والتحلي بضبط النفس هو أكسجين الحياة الذي يتنفسانه، ومتى ما اجتمع العقل الناضج والعاطفة الجميلة استطاع الزوجان أن ينعما بالاستقرار والأمان، فالبيت الفاطمي تقام جدرانه النورانية على الخوف من الله تعالى ومراعاة حقوق الآخر والعمل على إسعاده وتحدي الصعوبات والعمل المشترك على البحث عن الحلول والقرارات المناسبة.