لا يختلف اثنان على أن معدلات الطلاق في مجتمعاتنا في تصاعد مستمر وهذا بلا شك أمر مؤسف ومحزن يتطلب منّا الوقوف عنده والبحث عن الأسباب.
بعض من حالات الطلاق تعود لأسباب حقيقية منطقية تستدعي انفصال الزوجين، وبعض منها تقف خلفها أسباب غير منطقية لا تستدعي الانفصال وهدم الحياة الزوجية من أجلها.
قبل أن نستعرض أسباب الطلاق نشير إلى أن الله عزّ وجل قد أباح الطلاق وهو أبغض الحلال لحكمة وذلك حينما يصل الزوجان إلى طريق مسدود، ويكون في الطلاق مصلحة للطرفين أو لأحدهما، وحينما تصبح الحياة الزوجية جحيمًا لا تُطاق قد تتسبب بضرر كبير على أحد الطرفين لا سيما الزوجة، ولذا لا يمكن القضاء على ظاهرة الطلاق بشكل نهائي إلا أنه يمكن تقليل نسبتها والحد منها.
للطلاق أسباب عديدة سأتطرق في هذه السطور لأحد أبرز الأسباب؛ ألا وهو (تدخُّل أهل الزوجين في الحياة الزوجية).
إن تدخُّل أهل الزوجين في تفاصيل الحياة الزوجية لاسيما في السنوات الأولى للزواج يؤدي لتأزم العلاقة بين الزوجين، قد تحدث مشاكل وخلافات سطحية بسيطة يمكن للزوجين تجاوزها إلا أن دخول أهل الزوجين على خط المشكلة يفاقم تلك المشاكل ويعطيها أكثر من حجمها ويحوّل حياتهما لجحيم وقد يؤدي للطلاق والضحية الأولى هم الأطفال، لذا من الخطأ أن يُطلِع الزوجان أهلهما على كل مشكلة وكل خلاف يقع بينهما.
إن حصر المشكلة بين الزوجين وعدم السماح بخروجها من سور المنزل يساعد على حلها فلا تأخذ أكبر من حجمها وبمرور الوقت تصغر وتأخذ بالانحسار.
ينبغي أن نعي أن المشاكل في الحياة الزوجية أمر طبيعي فلا توجد أسرة خالية من المشاكل ولا توجد حياة مثالية فنحن بشر لسنا منزهين عن الأخطاء والزلات، ولكن عند حدوث أي مشكلة بين الزوجين ينبغي عليهما احتواء تلك المشكلة والتعاطي معها بحكمة.
إلا أن هناك حالات تستوجب التدخُّل ومشورة أطراف خارجية للسعي في حلها كالضرب المبرّح والتعنيف المستمر من قِبل الزوج تجاه زوجته؛ الأمر الذي يسبب لها أذىً جسديًّا ونفسيًّا، هنا ينبغي على الزوجة أن تختار الشخص المناسب والمؤهل الذي يتمتع بالحكمة والنضج وسدادة الرأي لكي يساعدها في حل المشكلة وتجاوزها، وليس بالضرورة أن يكون ذلك الشخص من خارج الأسرة، فقد يكون الشخص المناسب لحل المشكلة هو والد الزوجة أو والد الزوج إذا كانا يتسمان بالحكمة وبمستوى عالٍ من الوعي والموضوعية بعيدًا عن العاطفة، وقد يكون الشخص أحد إخوة الزوجين.
بعض الخلافات الزوجية تتطلب تقديم تنازل وإبداء مرونة من أحد الزوجين أو من كليهما لحلها، فتشبث الزوجان برأيهما وموقفهما وعدم إبداء أي مرونة لا يساعد على حل المشكلة، ففي حال فشل محاولات الإصلاح بسبب تعنُّت الزوجين ووقوع الطلاق فالمتضرر الأول والضحية الأولى هم الأبناء، ومن ثم الزوجة.
فالزوج لكونه رجلًا قد يبدأ حياة زوجية جديدة مع امرأة أخرى وهذا هو الواقع والمألوف في مجتمعنا. لذا على أسرة الزوجة أن تتعاطى مع مشاكل ابنتهم مع زوجها بمنأى عن العاطفة وتحكيم العقل، واستحضار النتائج السلبية المترتبة على الطلاق، حيث إن وضع المرأة المطلقة في مجتمعنا ليس كوضع الرجل المُطلِّق.
أتحدث هنا عن المشاكل والخلافات الزوجية السطحية والبسيطة التي لا تستحق أن ينفصل الزوجان عن بعضهما من أجلها. إلا أنه حينما تصل الأمور إلى أن تتعرض حياة الزوجة للخطر وتتضرر جسديًٍّا ونفسيّا بسبب سلوك الزوج وإصراره على أسلوبه المُهين وتعامله غير الإنساني مع الزوجة وفقدان الأمل من أن يتغير يومًا ما واستحالة العِشرة معه حينئذٍ الانفصال هو المُقدّم ومن حق الزوجة ومن حق أسرتها أن تطلب الطلاق، فضرر أهون من ضرر.
الحياة الزوجية عمادها الألفة والمودة والرحمة فإن افتقدت لهذه الأمور فقدت قيمتها والغاية منها. قال جل شأنه: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة/229].
تعيش الزوجة مطلقة في منزل أسرتها مُعزّزة مُكرّمة مستقرة آمنة هانئة تتمتع بصحة جسدية ونفسية خيرٌ من أن تعيش حياة زوجية تعيسة غير مستقرة لا تشعر فيها بالطمأنينة والأمان قد تفقد بسببها صحتها الجسدية والنفسية.
لمثل هذه الحالات أباح الله جلَّ شأنه الطلاق وبالرغم من ذلك فهو أبغض الحلال.
نستعرض الأسباب الأخرى في مقال قادم. دعواتي القلبية لكم بحياة زوجية ملؤها السعادة والهناء.