لماذا يرى الأجنبيّ الفرصة ولا يراها ابن البلد؟!

مرتّان تقريبًا كل أسبوع يسألني رجلٌ يطوف في حارتنا بسيارة قديمة، معه شخص آخر من جنسيته، عن أدوات قديمة للبيع! لا يهم إذا قلتُ: لا شيءَ في هذا الأسبوع، سوف يأتي مرةً أخرى فقد يتوفر شيء في الأسبوع القادم، أو الذي بعده، يشتريه ثمَّ يبيعهُ بمبلغ أكبر!

الأجنبيّ يرى في قارورة الماء المصنوعة من البلاستيك وعلبَة المشروب الغازي المصنوعة من الألمنيوم الملقاة في الطريق قرشًا، في السيارة المتسخة خمسينَ ريالًا، وفي مكيف الهواء المغبر مائة ريال. بينما ابن البلد لا يرى فيها إلا أشياء ترمى وأعمالًا تحتاج إلى أجنبيّ يقوم بها بدلًا عنه. حتى الذين عندهم وقت يملون ويشكون من طوال النهار لا يغسلون سياراتهم بأيديهم، ولا يستبدلون الأضواء المستهلكة ولا يغسلون مكيف الهواء في منازلهم! بدلًا من ذلك يستدعون شخصًا آخر، في الغالب أجنبي، يقوم بالمهمة عنهم.

القارئ العزيز، إذا حلّقتَ في طائرةٍ مروحية، سوف ترى المكان بصورة أشمل من لو كنت فوقَ سطح الدار، وإذا طرت في طائرة سفر كبيرة، سوف ترى البلدَ كلها، وربما ترى وطنًا كاملًا إذا ارتفعتَ أكثر!

في كل البلاد – ليس عندنا فحسب – يرى الأجنبيّ الفرصةَ أوضح من ابن البلد، الذي اعتاد رؤية المشهد، فلا يرى فيه شيئًا جديدًا. بينما الأجنبيّ يأتي وفي عقله وعينيه أسئلة: ما هو المختلف؟ ما هي الفرص؟ كيف أنجح وأعود إلى وطني أبني بيتًا وأحقق حلمًا لي ولعائلتي؟

فرص صغيرة وأخرى أكبر يشكك ابن البلد في جدواها حين يراها من قريب، وحين يراها من بُعد تختلف كلية؛ كيف تنمو الفرص، كيف تتوسع وكيف تكبر؟ لا تحقرن فرصةً وإن كانت صغيرة، عدد لا بأس به من الذين ينظرون بجدية جمعوا ثروةً جيدة وتحولوا في مدد قصيرة من فقراء إلى أغنياء. بالطبع، لم يكن الأمر سهلًا، مع ذلك نجحوا بجدارة!

تَخلّوا عن الكبرياء والترفع، دخلوا عالمًا مجهولًا بمبالغ ماليّة قليلة، وبعد مدة خرجوا إلى عالمِ الاكتفاء والغنى، وبعضهم صارَ في خانة الأغنياء الكبار. الله يرزق من يشاء بغير حساب {كُلًّا نُّمِدُّ هَٰؤُلَاءِ وَهَٰؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ ۚ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا}.

من القراء من يقول: هذه نظريَّات إنشائيّة، بعيدة عن الواقع! في نقرةٍ واحدة يستطيع الباحث أن يطلع على أي ادعاء في هذا الزمن. وليس غريبًا أن يلحظ القراء الأعزاء في حركتهم اليوميَّة أنماطًا من تعامل الأجنبي مع الفرص وتعامل ابن البلد معها! وفعلًا بعض أبناء البلد قرأوا المشهد بدقة وصار فيهم من يقتنص الفرص المجدية بكل احترافية.



error: المحتوي محمي