بدايات شاعر
أتذكر لما كان عمري ثلاث عشرة سنة تقريبا، وكان من أصدقائي حبيب المحمود، الصّحفي الأديب، سألته:
هل هذا الشّطر موزون: بِحَولِكَ يَا رَبِّ أقُومُ وأَقْعُدُ؟
فسألني قبل أن يجيب: هو لك؟
أجبته: نعم.
ثم أكمل الشطر بعد هنيئة:
وَأَركَعُ فِي المِحرَابِ ذُلًّا وأَسْجدُ.
وكان ذلك الشّطر هو بداية انطلاقي في مضمار الشعر الفصيح.
أمّا أول قصيدة كتبتها بمداد قلمي، كانت مكوّنة من سبعة أبيات، وكان عمري يومذاك ثلاث أو أربع عشرة سنة، بحسب مأ أظنّ، وهي:
قَامَ بِصَوْتِهِ الرَّخِيـ
ـمِ فِي الْمَلَا مُؤَذِّنَا
قَدْ سَمِعُوهُ ثُلَّةٌ
يَرَوْنَ فِي اللَّعْبِ الْهَنَا
هَمُّهُمَ كُلُّ وَاحِدٍ
مِنْهُمْ بِمَا قَدْ كَمُنَا
هَلَّا تَأَخَّرْنَا قَلِيـ
ـلًا وَنُحَقِّقُ الْمُنَى
بِأَنَّنَا نَفُوزُ وَالْـ
ـكَأْسُ بِأَيْدِينَا دَنَا
أَهَذِهِ أَعْمَالُ قَوْ
مٍ زَعَمُوا التَّدَيُّنَا
كَلَّا، فَسَاءَ مَا يَرَو
نَ بَلْ وَسَاءَ دَيْدَنَا
وفي ديوان (نسيج المرايا) تحت عنوان (خيوط من الذاكرة) قلت:
بَدَأَ الشِّعْرُ يَلْفِظُ نَفْسَهُ لِلْخَارِجِ وَأَنَا فِي الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ، وَقَدْ كَانَ فِي الدَّاخِلِ وَفِي الْمَخَاضِ بِدُونِ تَارِيخٍ؛ لِأَنَّنِي لَا أَتَذَكَّرُهُ، وَرُبَّمَا لَا يُوجَدُ.
الجرأة البريئة
أمّا أول قصيدة ألقيها في احتفال على جمهور الناس، كان ذلك سنة ١٤١١هـ في قاعة بيت أحمد بن أحمد الغزوي، وقد كنت مضطربًا في بداية القصيدة، وثبت النفس في البيت الثالث، وهذه بعض أبياتها:
قَبَسٌ مَسَّ دَارَنا فَزَهَاهَا
شَطَّ مِنْ طُوسَ حَامِلًا ذِكْرَاهَا
إِذْ نَمَتْ زَهْرَةٌ بِدَوْحَةِ آلِ اللَّـ
ـهِ فَوَّاحَةٌ فَمَا أَحْلَاهَا
فَإِذَا بِالْقُلُوبِ تَنْبُضُ بِالْبِشْـ
ـرِ وَبِالسَّعْدِ تَمْتَمَتْ شَفَتَاهَا
وَإِذَا كُلُّ سَاحَةٍ تَتَهَادَى
وَإِذَا كُلُّ مَحْفَلٍ يَتَبَاهَى
ضَاعَ فِي الْكَائِنَاتِ نَشْرُ عَطَايَا
هُ وَمِنْ أَكْؤُسِ الْوَلَاءِ سَقَاهَا
حَمَلَ الأُنْسَ كَالنَّدَى أَلْبَسَ الْفَجْـ
ـرَ بَهَاءً عَلَى بَهَاءٍ فَتَاهَا
أول منشور صحفي
أول ما نشر عنّي حول الشعر، كان مقالًا في جريدة اليوم، كتبه الصحفي الأديب حبيب المحمود، بعنوان (علي الفرج شاعرية حالمة)، فكان هذا المقال نقلة مميّزة لنفسي وحركتي الأدبية.
الاستصغار
ما نقلته فيما سبق ما هو إلّا شبه مقدّمة لقصّة حدثت معي في سورية، في حرم السيدة زينب (ع)، وكان عمري ٢١ سنة، يوم قال لي الشيخ حبيب الجميع: يوجد هذه الأيام في سورية صحفي كويتي يسأل عنك، وربما لو التقيته، سيجري معك حوارًا شعريًّا أدبيًّا.
وسوف يأتي إلى الحرم في يوم غدٍ.
اتفقنا على أن نلتقي عصر اليوم التالي في الحرم، والتقينا نحن الثلاثة.
فاجأني أنّ الصحفي الكويتي عمره 70 سنة تقريبًا، وكنت أتخيّل أنّ عمره 40 سنة، فسألني متعجّبًا:
أنت علي الفرج الشاعر؟
أجبته: نعم.
وقال: أنا كنت أتصوّر أنّ عمرك يقرب من 40 سنة، حيّاك الله، في أمان الله.
وبعد أن انصرف الصحفي لشأنه قال لي الشيخ حبيب: أنا أتوقع أنه رآك فتًى في العشرين فاستصغر سنّك، فلم يحاورك.