عندما تفقد المِهنُ راعيها!

تذهب إلى بعض المكتبات، تلاحظ أن صاحب المكتبة والعامل ليس بائعًا للكتب، بل هو رجل مثقف يبيع كتبًا؛ يعرف موضوعَ الكتاب، يعرف اسمَ المؤلف، ويستطيع أن يقدم لك ملخصًا عن محتوى الكتاب. تشتهي وجبةً من مطعم، تجد طاهي الطعام في غاية المهارة، متمكنًا، يطهو الوجبة وينضج اللحمَ كما لو طبخت -أنت- الوجبة في بيتك بنفسك!

في هذه الآونة، من يبيع الكتب ليس شخصًا مثقفًا! هو شخص يعرف مكان الكتاب وسعر بيع الكتاب. يقرأ الطبّاخ التعليمات على المنتج؛ كمية الملح، البهارات المطلوبة، مدّة الغليان، يطبق التعليمات ويسمى “شيف” بينما الفرن الآلي يقرر جودة الطبخة! لا يتذوق الطعام ولا يعرف عنه سوى الربح والخسارة! من يهمه جودة الوجبة ما دام الزبون يطلبها؟ المهم أن الوجبة في كل فرع من فروع المنشأة والمطعم تطابق الوجبة في بقية الفروع؟!

بائع الصحف لا يقرأ عناوين الصحف! من يبع الفكر لا يقرؤه ولا يعرف عنه شيئًا! طباخ الطعام لا يتذوقه ولا يضع فيه “نَفَسَه”! ما أكثر الذين لا يعرفون من مهنتهم إلا الاسم والبزة المطلوبة للعمل! جهل الطبيب والمعلّم بالمهنة يضر، جهل عالم الدين يضر، جهل الناصح غير المؤهل يضر! جهل البنّاء بهندسة البناء والأحمال يميت، جهل الزارع يكثر الجوع! أظن أن الفكرة وصلت “إن اللهَ يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه”.

حينما يكون التسويق والمردود الماليّ هو الدافع “الوحيد” في المهنة تجد؛ من يجهل المهنة، من يغشّ، من لا يعرف شيئًا عن جودة البضاعة التي يبيعها. باختصار، يغيب الإبداع والإتقان عن كلّ شيء! {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} فيها دعوة من الله للاقتداء به في إتقان العمل ووضع المعايير الدقيقة في معرفة المهنة أو العمل المطلوب إنجازه.

المال مهم لحياة كل مهنة لأن الشغف به “وحده” لا يشتري خبزًا! وأيضًا مع الإخلاص والإتقان يأتي المالُ والزبون، وحبذا لو كان في المهنة قليل من الشغفِ والحبّ. حب المهنة يشعر العامل بالسعادة والرضا وتحقيق الإنجازات، وإن كانت بسيطةً جدًّا، ويضمن أن المشتري يعود مرة أخرى!

أظن أن القارئ الكريم قفز إلى دماغه -حالًا- بعض المهن التي يكون التقصير والإهمال فيها مميتًا والأخطاء كارثيَّة!



error: المحتوي محمي