الاختصاصي النفسي محمد آل سليس: الانتحار لا يحدث يوميًا كحوادث السيارات.. رغبة تخفي حقائق لا أحد يعلمها.. وأسبابها عديدة

أكد الاختصاصي النفسي “محمد آل سليس” أننا لا نرى مسألة الانتحار بشكلٍ يومي كحوادث السيارات، ولكنها قد تُخفي تحتها حقائق لا أحد يعلمها، موضحًا أنّ للأفكار الانتحارية أسبابًا عديدة؛ وتكون في أغلب الأحيان نتيجة الشعور بعدم إمكانية التعامل لمواجهة ما يبدو أنه موقف مربك في الحياة، فقد يعتقد الشخص -على سبيل الخطأ أو لضيق الأفق- أن الانتحار هو الحل والسبيل الوحيد للخروج من الأزمة.

ونبّه خلال لقاء افتراضي عنوانه “الانتحار وهْم الخلاص” إلى أنّ تعاطي الكحول والمخدرات يلعب دورًا كبيرًا في التفكير الانتحاري، ومن جهةٍ أخرى فقد تتسبب بعض أدوية الاكتئاب في مشاعر انتحارية كذلك، مشيرًا إلى أنّ مضادات الاكتئاب هي خيار العلاج الشائع له، على الرغم من أنها قد لا تعالج الاكتئاب ولكنها تقلل أعراضه.

وجاء هذا اللقاء ضمن سلسة حلقات برنامج (سوالف أخصائي) عبر منصة سليس على “الإنستغرام” بمشاركة الاختصاصية النفسية “أبرار الحبيب” كمدير للقاء، يوم أمس الخميس 2 ربيع الآخر 1444هـ.

وقال “آل سليس”: “يعد الاكتئاب أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى السلوك الانتحاري، فيما ثبت ارتباط الأدوية المستخدمة في علاجه أيضًا بالسلوك والمحاولات الانتحارية، خاصة بين الأطفال والمراهقين الذين يتعاطون نوعًا من العلاجات تعرف بمثبطات امتصاص السيروتونين الانتقائية (SSRI) كعقار فلوكسيتين (بروزاك).

وتحدث كذلك عن العلامات التحذيرية التي لا تكون ظاهرة على الشخص في كل الأوقات، بل وتختلف من شخص لآخر؛ فقد يوضح بعض الناس نياتهم بينما يكتم آخرون أفكارهم الانتحارية ومشاعرهم.

وحكى “آل سليس” قصصًا واقعية مؤلمة لأشخاص أسوياء قاموا بالانتحار لمجرد توارد الأفكار لديهم ووهم الخلاص منها، مبينًا أن للأفكار السلبية دورًا رئيسًا وسببًا قويًا، وكذلك قد تكون محاولة الانتحار في وقت توقف فيه الشخص المريض عن تناول الأدوية بصورة منتظمة.

وأضاف: “هناك ما يسمى باضطراب إيذاء النفس غير الانتحاري، وهو ما يدفع الفرد للقيام بأفعال مؤذية بحق جسده، إلا أنها لا تصل للهلاك الكامل أو الانتحار، وتكثر الإصابة به بين المراهقين والبالغين، وهذا ما نشهده في واقعنا”.

وبيّن أن هناك أيضًا من عمليات الانتحار ما يصعب تفسيرها ومظاهر اكتئاب غير واضحة في الإنسان، حيث إن عديدًا من الحالات السريرية تكشف أن الانتحاري أقدم على عمله هذا من أجل الانتقام من المقربين منه مثل الزوج أو الوالدين، ولتحميلهم الذنب وهم على قيد الحياة.

وذكرت الاختصاصية النفسية “أبرار الحبيب” من جانبها أن حالات الانتحار تسبب آلامًا كبيرة للأهل والأقارب ولها تبعات تؤذي النفس، كما أن فكرة الانتحار لا تمثل الخلاص من الهموم والآلام للمريض نفسه فحسب، وإنما هي بداية معاناة طويلة لأهله من جميع النواحي النفسية، الصحية، والاجتماعية.

وكشفت “الحبيب” أن الوازع الديني أحد العوامل المهمة في إحجام كثير من المكتئبين الذين لديهم أفكار انتحارية عن الإقدام على الانتحار.

واستدركت مشددة على أننا يجب أن نفرق بين الدين كعامل مساعد في العلاج وبين فكرة أنّ المرض النفسي سببه ضعف في الإيمان؛ لأن المحيطين بالمريض النفسي يزيدون الضغط عليه عندما يتحدثون معه على أساس أن أعراضه سببها ضعف الإيمان، فيدعونه إلى المزيد من التقرب إلى الله، في وقت هو فاقد للرغبة وللقدرة على ذلك؛ بسبب مرضه وليس بسبب ضعف إيمانه.

وأكدت أن المريض عندما يجد كل من حوله يجمعون على ذلك يزداد شعوره بالذنب وتزداد أعراضه سوءًا؛ ولذا تجد الكثير من المكتئبين أول جملهم عند الحضور للطبيب النفسي هي: “لا أدري ماذا حدث لي بالرغم من أنني أصلي وأصوم وأقرأ القرآن”.. وكأنه يدفع عن نفسه تهمة ضعف الإيمان التي يتهمه بها كل من حوله.

وعدّدت “الحبيب” الأسباب الاجتماعية والثقافية الرئيسة للانتحار، وهي؛ الشعور بالانعزال، أو عدم القبول من الآخرين، حيث يمكن أن ينتج عن مشاعر العزلة الدخول في مرحلة التفكير في الانتحار، وهنا يحتاج المريض إلى تدخل علاجي سريع من أهله أو أقاربه لدعمه ومتابعته في جميع مراحله العلاجية النفسية وغيرها.

واختتم اللقاء بإجابة الاختصاصيين؛ آل سليس، والحبيب عن تساؤلات الحضور، كما نصحا بالانتباه والتركيز على الذين لديهم أعراض الاكتئاب، ومراقبتهم ومتابعة علاجهم في المراكز المختصة.



error: المحتوي محمي