الشكوك مبطلةٌ لعبادةِ الودّ!

الحبّ والودّ الأخويان عبادة، كثيرًا ما نخسر ثوابهما الكبير، ونخسر منافع أخرى، طوبى لأنقياءِ القلوب الذين لا يتعادون! “إن المتحابين في اللهِ يوم القيامة على منابرَ من نور، قد أضاءَ نورُ أجسادهم ونورُ منابرهم كلَّ شيء، حتى يُعرفوا به، فيقال: هؤلاء المتحابّونَ في الله”.

الدافع إلى كتابة هذا العنوان أنه في النادي الرياضي الذي أقصده في الصباح، كان يأتي شابّ لا يسلّم ولا يردّ السلام! طال استغرابِي منه وأحيانًا أَستاء وأشعر بالغيظِ؛ لأن شابًّا يجيء ويذهب ولا يسلّم!

مرّت أيام كثيرة، وذات صباح رأيتُ شابًّا آخر يبادل هذا الشابّ الحديث بلغةِ الإشارة، فعرفت حينها أن الشابّ من فئةٍ أنعم الله عليها بالصممِ والبكم. حقًّا، خجلتُ من شكِّي وسوء ظنّي بالشابّ وبدأته بالحديث. مع أنني لا أعرف لغة الإشارة، لكن متى ما تقاربت القلوب وجدت مليون طريقة للتواصل. بعد أن تعرفت عليه، كلما دخل الشابّ يبتسم وكلما رأيته رفعتُ يدي بالتحيّة.

{إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}! يكفي البعض من الظنون الذي يكون إثمًا أن نتجنب سائرَ الظنون لئلا نقع في الإثم. ويكفي أن نتجنب بعضَ الشكوك لئلا نقع في إثمِ خسارة المودّة والمحبّة!

يطلب الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام) طلبًا رائعًا في “مناجاةِ المُطيعين”: “اللهمَّ اقشع عَن بصائرِنا سحابَ الارتياب.. فإنَّ الشّكوكَ والظّنونَ لواقحُ الفتن”. في هذا الزمن تعددت أسلحةُ دمار الودّ والمحبّة الدافعة نحو الشكوك. واحدٌ منها ليس من المفترض أن يكون كذلك، إنما نحن حولناه إلى سلاح شكّ وتدمير للعلاقات! أرقام ودراسات حالات الطلاق تصنف وسائل التواصل الاجتماعيّ على أنها من أقوى أسباب الطلاق، والعداوات بين الأصدقاء لا تحصى!

في هذا الزمن، القليل من الشكّ – أو عدم الثقة – مثل الملحِ في الطعام، لا بأس به، فهو يساعدنا على الابتعاد عن المخاطر. كثِيره يفسد الحياةَ الزوجيّة والصداقاتِ الاجتماعيّة والشراكة في العمل، وغير ذلك من حالاتِ الوئام والتوادّ والعملِ المشترك.

التفاتة: ألا ترون أن هؤلاء الأشخاص – الذين نرى عندهم نقصًا – مبدعون؟ فإذا سلب الله نعمةً من عبدٍ في الدنيا، عوضه عنها في نواحٍ أخرى عديدة وأجزل له العطاءَ في الآخرة! من ينظر بعينين باصرتين يدرك أن الإعاقة هي إعاقة الفكر، أما إعاقة الجسد مع أنها ليست بهينة، إلا أنها ليست الإعاقة الحقيقيّة. سوف يذهل القارئ العزيز عندما يتعرف على إبداعِ من حرمهم الله في الدنيا بعض أدواتِ الجسد، كيف عوضهم عنها!



error: المحتوي محمي