أي من هذه تركب؟ الحصان أو البغل أو الحمار؟

أبناء جيلي – مواليد أوائل الستّينات – يتذكرون مشاهد هذه الحيوانات – أكرمكم الله – أو بعضها من حولنا، وسيلة مواصلات وحمل أثقال قبل أن تتسيّد السياراتُ المشهد الحاضر.

ويتذكرون جيدًا كم كان سعر السيّارة، وكم نوعًا منها كان موجودًا في سنوات صبانا؛ ثلاثون ألف ريال، أربعون ألفًا، مائة ألف قيمة سيَّارة فخمة جدًّا! أول سيَّارة – مستخدمة – اشتريتها سنة 1980م بألف دولار، حينها تساوي (3500) ريال. وبعد أربع سنوات – 1984م – اشتريت سيَّارة قيّمة بسبعة آلاف دولار، أو قرابة (24500) ريال! أما الأنواع فكانت تعدّ على الأصابع.

في هذه الآونة، صارت قيمة بعض السيّارات تضاهي قيمة منزل أو أكثر! فإذا وسعَ الله عليكَ من فضله وأحوالك الماديّة تسمح، اركب الحصان، أو السيّارة الفاخرة {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ}. للسيّارة قيمة معنويّة تعبر عن وجَاهة صاحبها ومكانتِه الاجتماعيّة وقدرته الماليّة، لكن ليس لحد الاستدانة والارتهان للمصرف وتأخير أولويات الحياةِ الأخرى. البغل جيّد أيضًا، أو في هذا الزمان السيَّارة متوسطة السعر. الحمار، أكرمكم الله، سيارة منخفضة السعر وقليلة الصيانة، لمن لا يملك الكثير من المال. والعبرة ألا يستدين الإنسان من أجل أن يقول النّاس: انظروا إلى فلان، سيارته فخمة أو منزله كبير جدًّا!

من جمال الدين الإسلاميّ الحثّ – الواضح – على إظهار النعمة في كل شيء؛ اللباس، الدار، المركب، المأكل، عكس ما نراه في أحوال بعض الناس من الإفراطِ أو التفريط! ومن أجل الاختصار أهيب بالقارئ العزيز أن يطلع على التراث القرآنيّ والنبويّ في الوصايا بإظهار النعمة والتوسعة على النفس والعيال، توصيات كثيرة ورائعة جدًّا أستشهد منها بحادثتين:

حجّ الرشيد فاستقبله الإمام موسى بن جعفر (عليه السلام) بالمدينة على بغل فقال له الرشيد يا أبا الحسن عزّت بكَ الخيلُ حتى ركبتَ بغلًا؟ فقال له الإمامُ موسى (عليه السلام) “إنه يتضع عن خيلاءِ الخيلِ ويرتفع عن ذلّةِ العير وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) خيار الأمور أوسطها”.

قال رجلٌ من الصحابة: دخلتُ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) فرآني سيئَ الهيئة، فقال النبيّ (صلى الله عليه وآله): “هل لك من شيء؟ قلتُ: نعم من كلّ المال قد آتاني الله، فقال: إذا كان لك مال فلير عليك”. ورُوي عن الإمام الصادق (عليه السلام): إن الله تعالى يحب الجمالَ والتجميل، ويبغض البؤسَ والتباؤس، فإن الله عزّ وجل إذا أنعمَ على عبدٍ نعمة أحبّ أن يرى عليه أثرها، قيل: وكيف ذلك؟ قال: ينظّف ثوبه، ويطيّب ريحه، ويجصّص داره، ويكنس أفنيته، حتى إن السراجَ قبل مغيبِ الشمسِ ينفي الفقرَ ويزيد في الرزق.



error: المحتوي محمي