ينضج الإنسان تمامًا، حين يكون متمكنًا من ترك أي شيء. فذلك الذي نجا قالوا له الضربات التي لا تقتلك تقويك، فقلت لهم وله: مع الضربة الرابعة سيتعلم المرء ما هي حقيقة الكتمان، وكيف أن الثبات له الأفضلية من الانهيار!
مع تلبد الأيام والمواقف تصبح لديك القدرة الكبرى على الشعور بالتبلد، ستتعلم أهمية التمثيل وتلقي كل آثار البوح في أطلال فؤادك، وإن ألقي على مسامعك ما لا يسر قلبك سوف تبتسم بدلًا من أن تثور.
سوف لا تعنيك الكثير من الأمور، ستحزنك كبائر الأحداث وتسعدك تفاصيل صغيرة وتدمنها، ستنتبه وتفسر كل شيء وتفكر فيما سيحدث وفيما سيحدث لو حدث ستعرف ما معنى أشباهك الأربعين أثناء الحديث مع نفسك!
ستحلل كل شيء وإن كان لا يعينك حتى تلك الإيماءة العابرة، سيغلبك الحنين إلى أشخاص لا تعرفهم، وتنسحب قبل أن تبدأ المعركة، سوف تصمت طوال الوقت وتزدحم عليك الأفكار والمشاعر والشخوص والأحاديث الطويلة وتقلباتك الداخلية، سيكون لك عالم خاص تعيش به دون أن يعلم أحد، ستكون كل شيء إلا نسختك القديمة وسوف تشتاق إليها جدًا.
لذا أرجو أن يلين لي الوجود، أن تثمر جميع محاولاتي، أن أستطعم حلاوة القدر، أن تتزاحم علي الأفراح، وتتوالى علي الضحكات، أن أمشي شامخةً مهما عاثت بي الظروف، أن تصافح يدي البهجة وتضمها إلى صدري، أن يسكن الرضا في قلبي، وتمتد في روحي المسرة وألفها كل العمر.
أحب الألفة التي تورّثها محبة من تحب، مثل أن تألف مكانًا أو شيئًا يشبهه، كأن تراه في كل الأشياء حاضرًا ولو غاب جسده.
فنصحية مني: بعيدًا عن الأمور التي رغبت فيها ولم تحدث، تأمل وفرة النعم التي حولك، نِعْمٌ سابقة، ونِعْم حاضرة وأخرى مقبلة، وبدلًا من الوقوف أمام الأبواب المغلقة تعلم كيف تعيش بما لديك، وأن تستفيد من معطيات الحياة لك والبحث عن مميزاتك، لأن لكل إنسان هبة لن توجد عند غيره، شيئًا صغيرًا يصنع هويته.
فنحن كالطيور أرواحنا تهبط فى المكان الذى يمنحها الشعور بالأمان.