هل تساوم هؤلاء الباعة؟

ذهبت مع أحد الأصدقاء من أجل شراء شتلات خضراوات. أنتم تعرفون في مثل هذه الأيام تطيب زراعة الطماطم “الرامسي” والكرزي وأغلب أنواع الخضراوات!

اشترينا عدة شتلات من رجلٍ كهل لوحت تقاسيمَ وجهه الشمس، يجلس مع ابنه، في الساعاتِ الأولى من يوم السبت حيث تقام سوق كل يوم سبت في مدينةِ القطيف، مدينة رائعة وسوق عامرة. باعة الشتلات هم عدة أشخاص – من أهل البلد – يجلسون في رأس الشارع، قرب مدخل سوق الخضروات الغربي.

أرغب في سؤال القارئ الكريم السؤالَ التالي: شككتَ أن سعر الشتلات أعلى من المعتاد، الشتلات قوية وطازجة، ويبيعها رجل مكافح ودمث الخلق، حتى إن صاحبي الذي كان غريبًا عن القطيف أعجبته أخلاق البائع، هل تساوم البائع لكي ينقص الثمن؟ بالإضافة لبيع الشتلات تجد من يبيع بذور الخضروات، فهل تساوم هؤلاء الباعة في مبلغٍ زهيد؟

هل تساوم فقيرًا استيقظ في الساعةِ الرابعة صباحًا – أو قبل ذلك – ليكسب قوتَ يومه بشرفٍ ورفعة؟! نحن لا نساوم عن سلعٍ نشتريها بمئات الآلاف من الريالات، لا نساوم دكاكينَ الشاي والقهوة والدونات! كيف نساوم رجلًا يبيع شتلات طماطم وبقوليات، إذا كبرت تعطينا أكثر مما ندفع فيها؟

تماكس ثمّ توفر إذا ساومتَ في سلعةٍ تستحق، ومع أصحاب الملايين، أما هذه الشريحة التي تأكل وتلبس مما تكسبه كلّ يوم، مثل هذا الرجل، هل تقول له: عليك بالعافية، الريال والعشرة ريالات؟! إذا ساومتَ، وماكستَ فذلك حقك وأفضل من أن تُغبن في شراء سلعتك وحاجتك، وربما يعد من المستحبات في الشراء “وما للهِ من الرضا أن أُغبن في مالي”!

السماحة في البيع والشراء مطلوبة من البائع والشاري. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): “غفر الله عزّ وجل لرجلٍ كان من قبلكم، كان سهلًا إذا باعَ، سهلًا إذا اشترى، سهلًا إذا قضى، سهلًا إذا اقتضى”. فهل يا ترى أن ترك المماكسة في ريالاتٍ بسيطة يعد سماحة، رعايةً لحال البائع الجادّ الكاسب؟ هل المماكسة تتغير بتغير الزمان والاقتصاد وطرق البيع والشراء؟ في هذه الآونة، كل الأسعار مكتوبة على البضاعة ومن يساوم لتخفيض السعر عند المحاسب يقولون عنه مجنونًا!

قبل أن نغلق حساب الفكرة، ألا ترون أن هذه النماذج من الرجال – القطيفيين – الجادّين الذين يقضون حياتهم في كفاحٍ وجهاد، هم بأخلاقهم الحميدة ونضالهم، يمثلون مجتمعنا – القطيفيّ – خير تمثيل، ويستحقون الإشادة بأعمالهم والثناء عليهم؟ يعجز المرؤ أن يمدح ويثني على أنواعٍ من الناس يذهبون بعيدًا في الإصرار على كسب رزقهم الحلال الطيب، ويستغرب من الذي ينام عن طلب رزقه!



error: المحتوي محمي