بعضهم يمتزج بقهوته، يشكلان سرّا مغلقًا، عَرَّفَ بَعْضهُ وَأَعْرض عن بعض، وبعضهم تلازمه القهوة، فتصبح الامتياز الأول لجلساته الصباحية والمسائية.
إنّ نداء القهوة الصباحيّ تشمّه من رائحتها المنبعثة من الطوابير المكتظة التي ترصدها كاميرات الناس وهي تنتظر كوبًا من القهوة يدفعها المزاج الهائم حبًّا في القهوة.
وعلاقة القهوة بالإنسان علاقة ضاربة في القدم، فمنذ قرون عديدة وما زال الإنسان يستمتع بمذاق القهوة، ويقدمها لضيفه، ويرى فيها بهجة أبديّة، وعنوانًا للكرم العربي.
وقد وصفها عبد القادر الجزيري بالشراب الطّهور قائلًا: (إنّها الشراب الطهور، المباركة على أربابها، الموجبة للنشاط، والمعينة على ذكر الله تعالى).
لقد ذهب الناس مذاهب شتّى في إعدادها وتقديمها لضيوفهم، إلى أن تعقّدت العلاقات الاجتماعية وتعقّد صنع القهوة معها، فأصبح الضيف شحيحًا، ولم نعد نكتفي بفنجان قهوة فقط، فقد طغت التكلفة وزادت ميزانية الضيف في الأسرة، وكلما زادت الكلفة طُردت الألفة كما يُقال.
إننا بحاجة لعودة رائحة القهوة الأصيلة التي تجذب الضيف فتعود البركة للمنازل وتعم أجواء الألفة بين الناس، عن أبي عبد الله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: {إن الضيف إذا جاء فنزل بالقوم جاء برزقه معه من السماء فإذا أكل غفر الله لهم بنزوله عليهم}.
إنّنا إذا استطعنا أن نمنح الآخرين شيئًا من البهجة والسرور في منازلنا وبين فناجين قهوتنا، فسوف تخلو الحياة من أشكال الترف والبذخ، وسوف يُشفى المتعصبون والمُصابون بأمراض التفاخر والرفاهية المطلقة.
لا ريب أن المنطق يدعو للعودة إلى الحياة البسيطة والقهوة المُدرجة تحت قائمة مقومات الأسرة السعيدة التي ترتشف أكواب القهوة بحبّ.
كنتُ صغيرة أصحو على رائحة قهوة أمي، وما زالت أمي مبدعة في عمل القهوة، أسمعها كل صباح -حتى وإن كنتُ بعيدة عنها- وهي تقول: من أراد السيادة هجر الوسادة وقاوم النعاس وشرب كوب قهوته.